2012/07/04
5 حواس - البيان «حاسس نفسك تعرف تمثل وبتحلم تكون نجما.. صوتك حلو وعايز تكون مطربا مشهورا ..اطلب الأرقام التالية وانضم إلى أكاديميتنا لصناعة نجوم بكرة وكل الأيام اللي جاية».. هذا نموذج لإعلان من بين عشرات الإعلانات التي تحفل بها الصحف والطرقات، بل حافلات النقل العام، التي تعبر - على الرغم من تهالكها - كالأحلام الساحرة التي تُداعب أحلام آلاف الشباب الذين لا يجدون أي فارق يفصلهم عن الشهرة سوى فرصة تقدمهم إلى الأضواء، لا تهم الموهبة أو الخبرة، بل الفرصة والمحسوبية إن وجدت. ولأن كل شيء في هذه الأيام يمكن تحقيقه بالمال، أو أشياء أخرى يسميها البعض «تنازلات».. بات التكالب على أكاديميات صناعة النجوم يلقى رواجًا كبيرًا هذه الأيام، لا سيما بعد النجاح الذي حظيت به بعض الأكاديميات اللبنانية، مثل «سوبر ستار»، «ستار أكاديمي»، وانتقلت العدوى إلى هوليوود الشرق لنسمع «جعجعة بلا طحين» للعديد من الأكاديميات التي راج الحديث عنها في الفترة الأخيرة. مثل أكاديمية «الزعيم» عادل إمام، «نبيلة عبيد، رأفت الميهي، محمد العدل»، وغيرها.. تعالوا نتابع هذه الظاهرة، فإلى التفاصيل..الدافع المعلن الذي يروج له القائمون على هذه الأكاديميات هو ضخ دماء جديدة من مختلف المواهب الفنية، وهذا دافع نبيل بلا شك، لكنها أثارت كثيرًا من الجدل؛ لأنها ربما لا تطلبها الأكاديميات المعروفة، وعلى رأسها أكاديمية «الفنون المصرية» التي تعتبر معمل التفريخ الأول للفنانين المصريين، بينما اتهمت الأكاديميات الوليدة أنها تبيع الوهم. وتسعى للدعاية وتخليد أسماء لا تملك أي مقومات حقيقية، لكن المخرج رأفت الميهي، أحد القائمين على ورش إعداد الممثل، يدافع عن الفكرة مستندًا إلى قلة مثل هذه المؤسسات والورش الفنية في مصر، والوطن العربي، ويوضح أن مصر التي يسكنها 80 مليون نسمة لا يوجد بها مؤسسات كبيرة معنية بالتمثيل؛ لذلك تعاني الساحة الفنية من نقص شديد في العنصر البشري، وهو الممثل المُدرَّب. أضاف: «من يعتقدون أننا نرمي من وراء هذا العمل إلى مكاسب مادية، عليهم أن يدركوا أن العمل في هذه المؤسسات مرهق، ويكلف القائمين عليه وقتًا وجهدًا من أجل تحقيق النجاح لهذه المؤسسات».. مشيرًا إلى أن الساحة تحتاج إلى دماء جديدة. غير شرعية أما حاتم محمد عبدالله أستاذ التمثيل، فيؤكد أنه ليس المهم ما يقوله القائمون على هذه الورش، لكن المهم هو اعتراف الدولة بمثل هذا النوع من الورش، فعدم الاعتراف من الدولة يعني أنها مثل المعاهد الخاصة لتنمية المواهب، أو الهواة؛ حيث لا تخدم شهاداتها أي غرض يحدد مستقبل الخريج؛ لذا لا يمكن أن تكون أكاديميات بالمعنى الصحيح، فشهاداتها غير مُلزِمة لأحد، ولا تمثل أي شرعية، أو اعتراف حقيقي بممارسة المهنة، متفقًا مع الرأي القائل «إن الساحة بحاجة إلى دماء جديدة». بلا فائدة بينما هناك مَن يرى أن مثل هذه الأكاديميات لا يمكن أن تحقق أي فائدة، من بينهم د. أحمد سخسوخ الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية، الذي أكد أهمية أن تكون هذه الأكاديميات قائمة على أساليب، وأهداف علمية صحيحة لفن التمثيل. وناشد كبار النجوم الذين يعملون على تأسيس مثل هذا النشاط، أن ينظروا إلى تاريخهم بعين الاحترام؛ لأن هذه الفكرة شائكة، وما يقومون به من خطوات ليست الطريقة الصحيحة لتحقيق الهدف المنشود، فالخوض فيها قد يؤثر في تاريخهم الفني الكبير. تصريحات مستحيلة أما الناقد السينمائي عصام زكريا فأكد أن مسمى «أكاديمية» يتطلب الحصول على تصريح من وزارة التعليم العالي في مصر وتوقيع بالموافقة، وتحدى أن تحصل مثل هذه الأكاديميات على هذه التصديقات والموافقات.. مشيرًا إلى أن هناك فارقًا كبيرًا بين الأكاديميات التابعة للدولة، وتلك التابعة إلى شركات خاصة، فالتابعة للدولة مثل أكاديمية الفنون بالفعل تقوم بدور محوري، كما أن شرط الالتحاق بها هو ضرورة إكمال مرحلة الثانوية العامة، ومن ثم فهي مرحلة من مراحل التعليم الأساسية تتساوى مع الجامعة، إضافة إلى ضرورة وجود أساتذة يمتلكون مؤهلات، وخبرة لتخريج أجيال تفيد الوسط الفني، وأشار إلى تجربة أكاديمية «الزعيم».. مؤكدًا أنها عبارة عن برنامج يتم بثه في قناة «اللورد» الفضائية - وعلى حد قوله - ليست كل «شقة مفروشة» تسمى «أكاديمية» لتخريج النجوم! وأضاف أن اسم الكيان سواء أكاديمية، ورشة، أم أستوديو لا يعطي قيمة، لكن الموهبة هي الأساس، بالإضافة إلى خبرة الأساتذة الذين يقومون بالتدريس لهذه المواهب.. مشيرًا إلى أنه في بدايات السينما كان الفنان عبدالوارث عسر، أحد الذين لم يتعلموا التمثيل، يساعد الفنان المتعثِّر في الأداء، وكأنه مرجعً فني يمشي على قدمين. نصب واتفق السيناريست محفوظ عبدالرحمن مع رفض هذه الكيانات التي يتم الترويج لها، قائلاً: «حجم هذه الأكاديميات لا يتناسب مع مُسماها، ولذلك فإن مسمى «ورشة» أفضل لها».. مشيرًا إلى أن معظم مَن يدرسون فيها غير مؤهلين للتدريس، وأضاف أنه قد حضر بعض الشباب؛ ليأخذوا برأيه في بعض هذه الأكاديميات والورش التي تعلم كتابة الدراما التليفزيونية، وأحضروا 7 نماذج من هذه الكتابات، الأسس، والمحاور التي تقوم عليها الكتابة الدرامية، فوجد أن هذه الورش قائمة على النصب؛ لأن ما جاء في هذه النماذج لا يمتُّ بصلة لأي شكل أكاديمي، وعلى الفور أبلغ الشرطة، ونقابة المهن التمثيلية بواحدة من- على حد قوله - أكاديميات النصب. وأرجع تزايد عدد هذه الورش في الآونة الأخيرة إلى حلم الشباب، وعدم وجود عمل، فالشاب الذي لا يمتلك جنيهًا في جيبه عندما يسمع أن عادل إمام يتقاضى 10 ملايين في الفيلم، أو يحيى الفخراني تقاضى 7 ملايين عن المسلسل الواحد، يندفع بطموحاته نحو الثراء السريع، على الرغم من عدم امتلاكه أي موهبة.. مشيرًا إلى أن القائمين على هذه الاستثمارات يركزون أكثر على طموح الشباب، واستغلال رغباتهم في الظهور من خلال التمثيل والإخراج والكتابة، فيأتون بأسماء لا علاقة لها بتدريس الفن مقابل أموال طائلة. نجوم بالصدفة ويرى الناقد طارق الشناوي أن الأكاديميات الفنية بطبيعتها مطلوبة، لكننا نفتقدها بشدة في مصر والعالم العربي ، مشيرًا إلى أن دولاً أوروبية وأميركية تهتم كثيرًا بإنشاء هذه الأكاديميات؛ لما لها من دورٍ فعَّالٍ على الأوساط الفنية، لكن أكثر ما يثير التعجب دائمًا أن الذين يقومون بإنشائها رجال الأعمال؛ أي أنها مؤسسات خاصة، وبالتالي يكون من قام بذلك الدور هو فرد عادي داخل الدولة، وما على الدولة سوى الرقابة. وأضاف: إننا نعتمد في عالمنا العربي على اكتشاف النجوم بطريقة الصدفة، بعيدًا عن الأسس العلمية لرعاية المواهب، إضافة إلى أننا لا نضع في حسباننا أن نخرج أجيالاً على المستوى الفني؛ ليحصلوا على درجة الامتياز، فمثل هذه الأكاديميات تثري الزاد الثقافي لدى الفنان، وتدعمه بما يأتي بنتائج إيجابية لاحقًا. ولم ينكر الشناوي أن هناك استغلالاً من قبل رؤوس الأموال لأسماء بعض النجوم؛ ليبيعوا الوهم من خلالهم، كما حدث في أكاديمية «الزعيم عادل إمام»، على الرغم من نفي عادل إمام ملكيته، أو حتى إشرافه عليها، وأضاف أن نجاح هذه الأكاديميات في أي دولة في العالم يكون قائمًا على مبدأ واحد فحسب، وهو «الصراحة» بتأكيد مستواها، ومدى قدرتها التعليمية، وقدرتها على تأهيل مَن يلتحقون بها، أما غير ذلك فينضم إلى قائمة «النصَّابين» الذين يهدفون إلى الربح بأي وسيلة.