2012/07/04
سامر محمد إسماعيل- تشرين أخيراً تمكن الإعلام السوري الخاص أن يحقق سبقه الناجز منضماً إلى برامج تلفزيون الواقع، أو ما يسميه الصحفي الفرنسي "أيناسيو رامونه" بتلفزيون القمامة، حيث بدأت قناة الدنيا ببث حلقاتها الأولى من برنامج "the actor " ، مستهدفةً هواة فن التمثيل من الجيل السوري الشاب "ما دون الخامسة والعشرين عاماً"، إذ لم يعلن البرنامج أنه ذو مطامح إقليمية أو عربية كمثيليه الشهيرين "سوبر ستار وستار أكاديمي"، فالمتقدمين جميعهم من شباب وشابات دمشق و المحافظات السورية، أعداد كبيرة سنلاحظها من هؤلاء في قاعة الانتظار، أو على عتبة الحجرة التي سيخضعون فيها لامتحان قبول اللجنة المكونة من "يارا صبري، د.سامر عمران، باسل خياط"، الحكاية بسيطة للغاية.. قليل من الموهبة، تقليد "غوار الطوشة، فطوم حيص بيص، مقطع من مسرحية للرحابنة، وفي أفضل الأحوال مشهد غريب عجيب على طريقة المعهد العالي للفنون المسرحية من كلاسيكيات المسرح العالمي، هاملت..عطيل..سعد الله ونوس، باعة دبس فقراء زادهم الوحيد هو إلقاء أنفسهم لنهم الكاميرا المثبتة إلى يسار لجنة الحكم، عليهم النظر إلى العدسة المنصوبة لاصطيادهم كقناص واحداً تلو الآخر، إنهم المادة الأساسية لملأ ساعات البث الطويلة، ليست أحلامهم الصغيرة البريئة المتروكة على غاربها وحسب، بل هو كيانهم المهدور على الملأ، فحص سريري لذائقتهم الفنية، التسلية الجديدة تحمل الكثير من الوعود الميمونة، سيقفون جميعهم إلى جانب "سلاف فواخرجي وجمال سليمان وأسعد فضة وربما هالة شوكت.."، ستوقّع معهم شركات الإنتاج السورية المحترمة عقوداً بملايين الدولارات، جميعهم سيخضعون للفحص الدقيق، امتحان الصوت والرشاقة واللياقة والخيال والفوتوجونيك، جميعهم يحق لهم ذلك، بما فيهم أقلهم موهبة وقدرة على مواجهة الجمهور أو الكاميرا، ليس من خاسر، فسورية تحولت إلى بلد درامي بكل معنى الكلمة، "الدراما صارت بدمّنا"، ولا بأس من صرف بعض الوقت أمام المرآة للتدرب على روائع المسرح- التلفزيوني الجديد. بالتأكيد لن توفر اللجنة تعاطفها مع المتسابقين، ستمد لهم يد العون، مهلاً يد العون هذه مطلوبة لتوفير جرعة من اللقطات المضحكة؛ الشيقة والمسلية في آنٍ معاً، الاستفادة القصوى من المادة البشرية المتوافرة، تحويل التعاسة الاجتماعية إلى نوع من الكوميديا، سيدخل عليكَ أحدهم وهو يحمل رقعة شطرنج، والثاني سيصعق اللجنة بمواجهتها على الفور بأغنية لفهد بلان، وهناك فتاة ستقبّل "يارا صبري" وآخر سينشد قصيدة غزلية بباسل خياط، استجداء يدمي القلوب، وجوه مكفهرة أمام كاميرا سليطة، كاميرا جائعة لتسجيل أكبر قدر ممكن من "الموهوبين والحيارى"، هذا بالتأكيد وصلناه بقدرة قادر، شعبية "باب الحارة والجوارح وشتاء ساخن" ثمة الكثير من المنتحرين الطيبي القلوب، البعيدين عن مآرب الربح المتوقع، حفاة في عراء مهين أمام حلوى الفرح المؤقت، إنهم لا يعرفون أنهم يساوون الكثير لشركات الاتصالات التي تشحذ أسنانها لإطلاق خدمة الSMS رسائلها القصيرة الذائعة الصيت لمساندتهم..!، ناهيك عن شركات الإعلان التي تتغذى من مواهب شبان وشابات نهشتهم البطالة والفرص الضائعة، كل شيء محسوب بدقة الآن، فمع توفر المادة الأولية لبرنامج يبيع يانصيب الدنيا على تلفزيون الآخرة، لن نعدم الحيلة في استقطاب المعلنين، انتبهوا إلى عنوان البرنامج "ذا أكتيور"، أكسنت ممتاز لمذيع ومذيعة البرنامج، يا أخي عالمي، اسمه باللغة الإنكليزية، الأمور على أسوأ ما يرام، لا جوائز ترضية في برامج تلفزيون الواقع، الجميع أخوة بالرضاعة من كاميرا المجد القادم، مجسّم البرنامج قريب إلى مجسمات جوائز الأوسكار، "معناها هناك توزيع جوائز أوسكار على الشباب أيضاً..!؟"، حيث سيقف معظم هؤلاء الطيبين في نهاية المطاف إلى جانب أنجيلينا جولي وبراد بيت، ربما سيصلحان ذات البين بينهما قبل أن يعلنا انفصالهما إلى الأبد..أو ربما سينالون الصعقة الذهبية القاتلة.. -على أية حال سنتعلم التمثيل، نعدكم بذلك، سنمثّل على أهلنا، على مدرّسينا، على أصحاب الحوانيت، على شرطة الطرق العامة و جباة الميكرو باصات وسائقيها عندما سنعود إلى قرانا البعيدة هاجسين بما سيقوله لنا أقرباؤنا عن أدائنا التسجيلي الخاطف أمام كاميرا البيتيكام، عن مشاركتنا الفريدة في فيلم من بطولة الكومبارس، لا ليس فيلم نبيل المالح، ليس بسام كوسا و ليست سمر سامي، إنه أشد ألماً هذه المرة إذا حذفنا مشاهد اللجنة، فقط اتركوا الكاميرا على وجوهنا المرتبكة، وسترون كيف سنحصد جوائز الفيلم التسجيلي من كل أنحاء العالم، وعلى طريقة "روبير بريسون" في السينما توغرافيا، لكن هذه المرة أنتم من ستتعلمون منا درساً قاسياً في التلقائية..