2012/07/04
ماهر منصور - السفير لم تكن أعمال الشاعر الراحل محمد الماغوط الدرامية أفضل ما قدمته الدراما السورية، لكنها أفضل ما قدم وقت عرضها، على الأقل لأنها كانت ابنة ساعتها، فقد كان الماغوط يجيد التقاط اللحظة الواقعية حارة طازجة، ليعيد تدويرها في حكاية ساخرة تنضح مرارة، جاعلا في كل مرة من عمله الدرامي نص احتجاجه الاجتماعي أو السياسي: نجده في المسرح يرمز باغتصاب غريب كرم الضيعة لخسارة فلسطين في «ضيعة تشرين» عام 1974، ولا ينهي عمله إلا بذهاب أهل ضيعة «الحلوم» لقتال مغتصب الكرم، لأول مرة، في إشارة إلى حرب تشرين التحريرية. وفي مسرحية «غربة» يؤرخ لصراع بين أهل القرية والبيك (الإقطاعي) فيها الذي يقاسمهم كل شيء، إلى أن يحدث انقلاب على هذا البيك ويأتي بعض الانتهازيين بما لا يشتهيه أهل القرية فيقذف رجالها إلى غياهب الغربة وقسوتها. وفي مسرحية «كاسك يا وطن» يرصد الماغوط لحظة انكسار الروح العربية في صرخة ابن الشهيد غوار حين يخاطب والده «ما ناقصنا إلا شوية كرامة». في السينما سيسخر الماغوط في فيلم «الحدود» من العرب الذين يتغنون بنشيد «بلاد العرب أوطاني وينادون بالوحدة..»، ويعيدون ما ان تنتهي المنابر من الحديث لتثبيت الحدود بينهم وتكبيلها بالتأشيرات وجوازات السفر. وفي فيلم « التقرير» يحاسب الفساد والفاسدين من خلال شخصية عزمي بك. الأمر نفسه حدث في التلفزيون. وثّق الماغوط لهموم الناس باكراً، من خلال مسلسل «حكايا الليل»، ومسلسل «وادي المسك». يفترض مكاناً ليعود لمحاكمة الفساد، لكن هذه المرة ليشرح بنيته. وفي مسلسله «وين الغلط» يقدم مواقف انتقادية للمجتمع تحاكي مسرح الشوك الذي اسسه عمر حجو، وما عرفناه لاحقا في مسلسلي «مرايا» و»بقعة ضوء». الأهم في تلك الأعمال كان قناعة محمد الماغوط بأن لا قيمة لنص احتجاج ما لم يصل إلى الجميع، ويفيض في نفوسهم غضباً وأكثر. لذلك بدا حريصاً على توظيف كل من شأنه أن يساعد في إيصال تلك الفكرة، فلم يتناول الماغوط الشاعر النصوص الدرامية من طابق أعلى، على عكس دأب الكثير من الأدباء اليوم الذين يطرقون بوابة الكتابة الدرامية بعدما اكتشفوا أنها «أربح»، بمعنى انه تخلى عن لغته الشعرية ليقدم نصوصه بلغة بسيطة واضحة، وهو وإن رفع شعارات المرحلة السياسية إلا أنه حمل شعارات الشارع بعفويتها وفطرتها، ومن أجل قرب أكثر من الناس وانتشار أوسع للاحتجاج دخل محمد الماغوط شراكة حقيقية مع دريد لحام، وصلت إلة درجة انهما كانا يكتبان نصوصهما الدرامية المشتركة «كلمة كلمة»، على حد تعبير الفنان دريد لحام. عاد محمد الماغوط ليلتقط جماهيرية شخصية غوار الطوشة، لينتقل به من ضفة الصعلوك العاشق إلى صوت الناس وضميرهم، حامل همومهم، فحمل غوار وعياً اجتماعياً وسياسياً احبه الناس حتى لو صار في «وادي المسك» غوارين، وفي «الحدود» عبد الودود، وفي «التقرير» عزمي بك. ربما تؤخذ اللغة المباشرة على محمد الماغوط في عدد من أعماله الدرامية ، لكن المباشرة هنا كانت من موجبات الالتصاق بالناس على مختلف مشاربهم الاجتماعية والثقافية، وهي لغة وصفت ظلماً في وقتها بلغة التنفيس، وينظر إليها البعض اليوم على انها لغة خطابات. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع الوصفين فإنه ما من أحد يستطيع ان ينكر أن الماغوط نجح أن يصل إلى كل الناس، واستطاع أن ينبش أكثر همومهم مرارة. لا نعرف اليوم كم بقي من مقولات الماغوط الدرامية صالحاً وكم سقط منها. لكن بلا شك أن محمد الماغوط بشراكة مع الفنان دريد لحام أرسى منهجا لكيفية التقاط الحدث حارا وكيفية تملّك القدرة على ايصاله، وفي هذا درسان أشك في أن جميع صناع الدراما يتقنونهما.