2012/07/04
مارلين سلوم- الخليج لمن تفتح الأبواب الكبيرة؟ لا بد أن كل من يعرف زياد الرحباني وأمه فيروز، ولا أعتقد أن هناك من لا يعرفهما في الوطن العربي، طرح هذا السؤال يوم وصول زياد إلى أرض الفراعنة وعمالقة الموسيقا والشعر والغناء . فالحدث هذه المرة خرج من الإطار المرسوم له، والذي كان محصوراً في حدود تكريم زياد باعتباره أشهر فناني الجاز في العالم العربي، ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان القاهرة للجاز، ليصبح وجود زياد في مصر هو الحدث الأهم والذي لم يكن عابراً، بل كان أشبه بالبركان الهادئ الذي لم ينفجر، واكتفى بقذف حممه في كل اتجاه ليحدث تشققات ويحفر خطوطاً رمادية وسوداء في محيطه . حضور زياد الذي أراد منظمو الحفل أن يكون محصوراً وفي إطار ضيق، لم يسعه الحدث ولم يسعه المكان . جاء ليحتفي بالجاز ويحتفى به، فكشف بغير قصد عورات الوسط الفني في العالم العربي وليس في مصر فقط، ولكن في بلد سيد درويش وعبد الوهاب يكبر حجم العيب ويزداد العتاب . سألوه عن سبب “امتناعه” عن زيارة مصر إلى الآن، ففاجأهم ببراءته من تهمة الاحتجاب، موضحاً ببساطة أنه لم يتلق يوما أي دعوة للمجيء إليها . واستغربوا غياب فيروز الذي طال منذ أعوام ولم يزل، فرد الاستغراب باستغراب أكبر ليقول إن أحداً لم يفكر في دعوة صاحبة الصوت الملائكي “سفيرتنا إلى النجوم” إلى بلد “كوكب الشرق”، فلماذا تأتي؟ وليزداد الجرح نزفاً، أكد زياد أن أمه لا تجد من ينتج لها أعمالها، فاضطرت مؤخراً لأن تنتج أحدث ألبوم لها بنفسها . اسمحوا لنا يا أهل الفن العريق ويا أصحاب شركات الإنتاج الضخمة وأصحاب الإمبراطوريات الفضائية، ويا من تدّعون أنكم أجداد الفن وآباؤه وأبناؤه وأحفاده، وأنكم غيارى على مسيرته وحريصون على الإعلاء من شأنه، هل تعلمون أن السيدة فيروز ما زالت على قيد الحياة وقادرة على الغناء كما في الماضي، أم أنكم تعتبرونها شيئاً جميلاً من زمن ولّى؟ يوماً بعد يوم نزداد قناعة بأنكم تتاجرون بنا وبالفن، وتستخفون بعقولنا وأذواقنا وثقافتنا وتاريخنا الأدبي والفني . بل أكثر، نعلم أنكم مصرّون على هدم الحاضر والمستقبل وسلاحكم الفن الرخيص الذي تروجون له وتنشرونه ليتشبع منه الشباب ويصبح لسانهم وحالهم معوجاً، كما الأغنيات العصرية التي تعتمد على قرقعة الأواني ونقيق الضفادع والكلام المبتذل . كلام زياد أكد أننا محقون في هواجسنا، وأن بعض الكبار والممولين و”تجار الفن” يتحكمون باتجاهاتنا الفنية، من خلال تحكمهم بالسوق، ويأخذون الجمهور العربي إلى ما يخدم أهدافهم التجارية ويدر عليهم أموالاً أكثر بتكاليف أقل . أليس معيباً أن تجد ماريا وهيفاء ومروى وغيرهن من يشرع لهن أبواب الفن السابع ويجعل منهن ممثلات ولو بالقوة، وأن تفتح أبواب دار الأوبرا لكارول سماحة وأمال ماهر وأنغام وعاصي الحلاني وكاظم الساهر وغيرهم، مع كل التقدير لأصواتهم ونجوميتهم، بينما تغلق كل الأبواب في وجه فيروز، ويفتح لابنها عبقري الجاز باباً ضيقاً يؤدي إلى قاعة “للهواة” تتسع لبضع مئات من الجمهور ليطل منها على آلاف أحبوه دون أن يروه، وحفظوا أغانيه من دون أن يكون لديهم أمل في لقائه في بلدهم، كأنه نجم غربي يصعب الوصول إليه أو دعوته . إنه زمن الجحود الفني وعقوق ما بعده عقوق، حيث يتلهى الأبناء بالقشور ويسعون وراء الأموال تاركين القمم تبرد في عليائها وحيدة، كأنهم يعتمدون على أن الذاكرة كفيلة بطي صفحتهم وجعلهم صوراً معلقة على الحائط، فنترحم عليهم وهم بعد أحياء . * * * إذا تأملنا النجم عمر الشريف و”أخلاقه الفنية” التي اكتسبها من خلال عمله في السينما الغربية، نفهم الفرق بين النجوم العالميين وإخوانهم العرب، ونفهم لماذا ما زلنا نراوح مكاننا إن لم نكن نتراجع إلى الوراء في مسيرة الفن العربي، ونبتعد أكثر وأكثر عن تحقيق حلم فوز السينما العربية ب”نظرة” من الغرب . هذا النجم تعلم من هوليوود ونجومها كيف ينظر إلى مرآته ويرى نفسه دائماً أدنى درجة من حقيقته، ليترك المجال الأكبر للنقاد والجمهور ليقيموه ويقدموا له مرآة أكثر صدقاً وأشد نقاء، تعكس صورته الحقيقية ومكانته في السينما . والدليل أنه ورغم شهرته العالمية والجوائز التي حصل عليها، يعتبر نفسه فاشلاً في التمثيل، وغير راض عن معظم أعماله . هذه المقارنة بين النجوم العالميين والعرب، فرضتها علينا ساندرا بولوك النجمة التي نالت جائزتين في يومين متتاليين، فحملت الفوز بالأوسكار بيد لتثبت أنها أفضل ممثلة بدور أول لهذا العام، وحملت الفشل باليد الأخرى بحصولها على جائزة أسوأ ممثلة لنفس العام . المفارقة غريبة، لكن الأغرب أن تقف بولوك ضاحكة وبكامل إشراقتها وروحها المرحة في اليوم الأول لتتسلم “جائزة الفشل” وهي ممتنة للجنة التي اختارتها لهذا اللقب، بينما بكت وهي تحمل الأوسكار بين يديها وتتذكر والدتها التي يعود إليها الفضل في ما وصلت إليه اليوم . نجوم هوليوود يعتبرون أنه من الطبيعي ألا تفوز دائماً وأن يكون “يوم لك ويوم عليك”، بينما النجوم العرب أو معظمهم وأشهرهم شطب هذه المقولة من قاموسه، ويعتبر عدم حصوله على الجوائز سنوياً وعن أي همسة ينطق بها، تقليلاً من شأنه ومن قيمته الفنية، ويرفض تسلم الجائزة ويعتبر كلمات النقد “حرباً” يشنها الحاقدون عليه . ولأن الفنانين العرب يتمتعون بروح طيبة ويتقبلون كل الآراء بسعة صدر، ولا يشنون حملات على من ينتقد أداءهم ويشير إلى تراجعهم في عمل ما، فويل لمن يجرؤ على التفكير في إنشاء “جوائز للأسوأ” في ديارنا ولو بعد مائة سنة .