2012/07/04
دمشق تشرين دراما الاحد 7 آذار 2010 جوان جان لم يكن ذاك الشاب الصغير الذي اقترح عليه أستاذ التربية الرياضية أن يشارك في دور الشهيد في عمل مسرحي مدرسي يتحدث عن عملية فدائية لمجموعة من الفلسطينيين، لم يكن يدرك أنه سيصبح ذات يوم واحداً من أهل المسرح وأبطاله، لا شهيداً من شهدائه كما كان دور الشهيد الذي أداه في المسرحية المدرسية المذكورة. ويبدو أن فكرة دخول عالم المسرح خاصة، والفن عامة، قد استولت على تفكير الشاب جمال سليمان، الأمر الذي دفعه للانتساب إلى فرقة مسرحية هاوية هي فرقة شباب القنيطرة والمشاركة في ثلاث دورات من دورات مهرجان الهواة المسرحي الذي كانت تقيمه وزارة الثقافة (والذي عاد في السنوات الأخيرة تحت مسمّى مهرجان الشباب للفنون المسرحية). ولا بد أن عمل جمال سليمان مع هذه الفرقة ومع غيرها من فرق الهواة قد أكسبه خبرة معقولة أهّلته لأن ينتسب إلى المعهد العالي للفنون المسرحية في العام 1977 وهو نفس العام الذي تم فيه تأسيس المعهد، ليتخرج بعد أربع سنوات وليكون واحداً من بين خرّيجي الدفعة الأولى من المعهد.. وبذلك يكون جمال سليمان قد انتقل من مرحلة الهواية، ومن ثم الدراسة، إلى مرحلة الاحتراف الذي تجسّد من خلال اشتراكه بعملين مسرحيين للمسرح القومي بدمشق كان أولهما مسرحية «عزيزي مارات المسكين» في العام 1983 للمخرج محمود خضّور، وثانيهما مسرحية «قصة موت معلن» في العام 1985 وهي من اقتباس الكاتب الراحل سعيد حورانية وإخراج مانويل جيجي، ليهجر بعدها خشبة المسرح القومي حتى يومنا هذا!! ويبدو أن حب اكتساب المعرفة وهاجس تعميقها امتد مع الفنان جمال سليمان إلى مرحلة ما بعد الاحتراف، إذ توجه في النصف الثاني من الثمانينيات إلى العاصمة البريطانية لينال من قسم الإخراج في جامعة ليدز شهادة ماجستير في الدراسات المسرحية وذلك في العام 1988 ليعود بعدها مدرِّساً في المعهد العالي للفنون المسرحية وليقدِّم مع طلاب العام الدراسي 1993-1994 عرض تخرِّج بعنوان «خادم سيدين» للكاتب الإيطالي كارلو غولدوني، وقد ركّز سليمان في تلك المسرحية على كوميديا الموقف التي يحفل بها النص، حيث تُبنى الأحداث على مجموعة من مواقف سوء الفهم التي تبدأ بسوء تفاهم أول، سرعان ما تترتب عليه مواقف أخرى أكثر تشابكاً وتعقيداً، وصولاً إلى ما قبل النهاية بقليل حين تتحلحل جميع العقد والتشابكات في فترة وجيزة، وقد اختار سليمان مكاناً لتجسيد العمل خارج إطار المسرح المغلق عندما حوّل مكاناً بجوار مبنى المعهد المسرحي إلى خشبة مسرح واستفاد من مفردات المكان ومعماريته ليقدم لوحة فنية جميلة يكاد مُشاهِدها يكتفي برؤيتها ليأتي العرض المسرحي ويكمل هذه الجمالية ويفعّلها. ولم يكتفِ جمال سليمان بالإشراف على أعمال الطلاب ومشاريع تخرّجهم بل شارك أيضاً في واحد منها ألا وهو مسرحية «منمنمات تاريخية» للكاتب الراحل سعد الله ونوس والمخرجة نائلة الأطرش والتي قُدِّمت كعرض تخرّج للعام الدراسي 1996-1997 حيث أدّى سليمان فيها شخصية المفكر ابن خلدون في الفترة التاريخية التي توغّل فيها تيمورلنك في الأراضي السورية وصولاً حتى أبواب دمشق وظهور مواقف متباينة نشأت حينذاك داخل المدينة حول الطريقة الأجدى للتعامل مع جيش تيمورلنك.. وقد ساهمت مشاركة سليمان إلى جانب ثلاثة من الخرّيجين هم أمل عمران وعبد المنعم عمايري ووائل رمضان في هذا المشروع في رفع مستواه، وإن كان ذلك قد أدّى إلى تحجيم حصّة طلاب الدفعة في مشروع تخرّجهم. في تلك الفترة من عمل جمال سليمان في المعهد حاول التوفيق بين عمله كمدرِّس في معهد مسرحي وعمله كممثل أخذ نجمه يسطع في عالم التلفزيون، وبهذا الصدد سبق لجمال سليمان أن أشار إلى أن عمله في المعهد كان يفوِّت عليه -أحياناً- فرصاً للعمل التلفزيوني، خارج سورية تحديداً، لكنه كان يحاول أن يوازن بين الجانبين: «العمل داخل المعهد فرصة لا أحب أن أتخلى عنها، كذلك العمل خارج المعهد فرصة مهمة، وصحيح أن عملي داخل المعهد يراه عدد قليل من الجمهور ويغطى إعلامياً بشكل محدود، وأحياناً لا يتمتع بأية تغطية إعلامية لأنه يأخذ شكل الدروس والمحاضرات، لكن مع ذلك فالعمل بالمعهد فرصة غنية، فنية وثقافية، فهو يجعلني قريباً من القضايا الأكاديمية، وهذا مهم بالنسبة لي كفنان». كما أن الفنان سليمان يؤكد دائماً أن المعهد شكّل معلَماً بارزاً من معالم الفن في بلادنا، من خلال تذكيره الدائم بدور الفنانين الذين تخرجوا منه في رسم معالم الفن الدرامي السوري، المسرحي والسينمائي والتلفزيوني منذ العام 1981 وحتى هذا اليوم، مع وعيه لمسألة على غاية من الأهمية وهي أن المعهد لا يصنع الممثل بل يساعد الشخص الموهوب على أن يطوِّر موهبته وينميها، لذلك كان من الطبيعي أن يرفض سليمان باستمرار المقارنات التي يحلو للبعض إجراءها بين الفنان الأكاديمي والفنان غير الأكاديمي، واصفاً هذه المقارنات بالأمر الساذج والسطحي لأن المعهد برأيه وجِد لا لأنه لا يوجد ممثلون في سورية بل لينظّم عملية التكوين الفني والمسرحي ويجعلها أكثر علمية وغير متروكة للمصادفات والظروف المختلفة: «وبذلك أصبحت ظروف وجود مقومات الممثل الناجح أكثر ضمانة». وقد شكّل عمل الفنان سليمان في المعهد دافعاً له للتفكير في تأسيس فرقة للمعهد يقدم فيها الخرّيجون أعمالهم المسرحية الخاصة بهم والتي لا تتاح لها الظروف المناسبة لأن تقدَّم خارج أسوار المعهد، وهذا الحلم تحقق فيما بعد، لكنه لم يشارك في أي من العروض التي قدمتها فرقة المعهد التي لم يعد لها أي وجود منذ عدة سنوات دون سبب موضوعي لذلك، ومنذ بدء تفكير جمال سليمان بإيجاد فرقة خاصة بالمعهد العالي كان يؤكد على أن هذه الفرقة يجب أن تقوم على أسس واقعية تضمن لها الاستمرار والعطاء: «أما إذا كنا نريد أن ننشئها على أسس رومانسية وبنفس الأطر القديمة فإنها ستواجه نفس مصير الفرق المسرحية الرسمية الموجودة الآن والتي لم تعد أزمتها خافية على أحد».. ويشير سليمان إلى أن الأسس التي ستضمن استمرار هذه الفرقة عديدة: «أولها الأسس المالية، إذ يجب أن تتمتع الفرقة بميزانيتها المستقلة التي تسمح لإدارتها بالتخطيط الدقيق وفق معطيات هذه الميزانية، وكذلك يجب أن تسمح لها بالتعاقد مع الفنانين والفنيين ضمن معطيات الواقع الاقتصادي». وعلى الرغم من السنوات التي أمضاها سليمان في المعهد العالي للفنون المسرحية مدرِّساً ومشرفاً على عروض تخرّج ومساهماً في بعضها وحالماً بتأسيس فرقة للمعهد وخرّيجيه، وقبل ذلك مشاركاً في عروض المسرح القومي إلا أن نشاطه المسرحي بالعموم يبقى محدوداً في ضوء الفترة الزمنية الطويلة التي استغرقتها مسيرته الفنية الاحترافية والتي بلغ عمرها اليوم 29 عاماً، ويعيد سليمان ندرة أعماله المسرحية إلى سيادة نمط إنتاج يعتقد سليمان أنه يجب أن يتغير وينتقل إلى نمط إنتاج أكثر ديناميكية، مشيراً إلى حاجتنا إلى تغيير شامل في مفهومنا للعرض الذي نقدمه للجمهور وفي كيفية صنع العرض من الناحية الإنتاجية، ويوضح سليمان موقفه بتحديد أدق حينما يتحدث عن حق الفنان المسرحي في أن يعيش بحدود إنسانية مقبولة، واصفاً (في العام 1997) الوضع الاقتصادي للمسرح بأنه بعيد جداً عن المعقول. وبالإضافة إلى العامل المادي يشير سليمان إلى أن ما يقدمه كلٌ من التلفزيون والسينما يبدو متقدماً من حيث المضمون وأهميته وطزاجته مما يقدمه المسرح، وهذا الأمر يشكل إغراء- كما يرى سليمان- بالنسبة لأي ممثل كي يبتعد عن المسرح.. كما أن الشهرة التي يعجز المسرح عن تقديمها للفنان- بخلاف العمل في التلفزيون- تبدو بنظر سليمان عاملاً حاسماً في ابتعاد الممثل عن خشبة المسرح. وربطاً بالعامل الاقتصادي يؤكد سليمان على أن أزمة النص المسرحي لا تحل بالكلام: «لأن المسرح الذي يبلغ عمره آلاف السنين ليس في حاجة لشهادة من أحد.. إنه بحاجة إلى من يعمل، وإلى المال والدماغ، وعندها ستوجد الظروف التي يمكن أن تساعد على ولادة النص أولاً، والعرض ثانياً». وبطبيعة الحال وفي ضوء الخبرة التي اكتسبها جمال سليمان من عمله المسرحي بمختلف مراحله فقد كوّن لنفسه وجهات نظر محددة تجاه بعض القضايا التي تشغل بال المسرحيين ونقّادهم على حد سواء كقضية التجريب في المسرح التي لا يبدو سليمان مؤمناً بها لاعتقاده أن كل عمل مسرحي هو عمل تجريبي، وقضية النقد المسرحي الذي يرى سليمان أنه يعاني من عدم المصداقية. جمال سليمان وعلى الرغم من ابتعاده القسري (أو الاختياري) عن خشبة المسرح إلا أنه يظل مسكوناً بحب هذا الفن الذي درَسه ودرّسه وأعطاه الكثير من وقته وحلم وما يزال يحلم بأن يصبح العمل فيه أكثر جدوى.. عسى أن يتحقق الحلم