2012/07/04
5حواس- البيان كثير من متابعي الأفلام السينمائية من المشاهدين البسطاء تجذبهم أسماء النجوم الكبار على غلاف الأفلام، والتي تعتبر من الناحية الإنتاجية عامل الجذب الأول للمشاهد، ولكن هذه المعايير تغيرت في وقتنا الحالي، وأصبح تصنيف نجومية الفنان له قواعد أخرى أكثر جاذبية من أدائه التمثيلي المحترف، وانحدر تصنيف النجوم والنجمات لمستوى العري، فلقب نجمة الآن يمكن أن تكتسبه أي ممثلة حتي لو كانت مبتدئة طالما عندها القدرة على خلع أكبر قدر من ملابسها أمام الكاميرا لتنافس زميلاتها الأخريات. العري في حد ذاته لا يقلل من قيمة أي عمل فني عندما يكون وسيلة يستخدمها المخرج لتوصيل هدف أو فكرة معينة يضمها السياق الدرامي للفيلم، ولكن عندما يصبح العري على الشاشة هدفا أو غاية أساسية يسعي لتقديمها المنتجون، ومن ثم المخرجون ليلفتوا النظر إليهم بطريقة أو بأخرى فيصبح حينذاك العري جريمة أخلاقية في حق ثقافة المجتمع الذي يمتص أغلب ثقافته البدائية من الإعلام والفن، فالجمهور العادي باختلاف ثقافاته وتنوع مستوياته يتأثر بشكل أو بآخر بالفن الذي يمثل جزءا مهما وحيويا من حياته اليومية والاجتماعية والأخلاقية أيضاً، فهل أصبحنا نعيش في مجتمع منحل حتى النخاع؟! هذا ما يحاول دائما المخرج خالد يوسف إقناعنا به من خلال أعماله التي تحاول تضخيم كل ما يحيط بنا من سلبيات وتوصيلها إلى حد الفجور، وليس إظهارها في صورة فساد أخلاقي واجتماعي من الجائز حدوثه، وحشوها على شاشة السينما في عمل فني يسمى فيلماً سينمائياً. فالسينما هذا العالم الفضائي الذي يؤثر ويتأثر بتحولات المجتمع بل يسجل شهادة تاريخية على الأزمات والتغيرات الزمنية التي تصيب أي مجتمع، ما هي إلا سلاح في أيدي صانعيها إن أرادوا أن يوجهوا أي شعب إلى المسار الصحيح أو العكس من خلال التأثير فيهم بصناعتهم التي أصبحت مادة غنية في أيدي السلطة توجه بها الناس حيث تريد، وآخرها كان انتشار موجة أفلام العري لمجرد العري وتشويش أفكار المجتمع الذي يلهث معظمه نحو ملذاته، وترك أحداث أكثر أهمية يمكن تناولها، في مقابل أن يشاهد فيلماً ترفع فيه هيفاء وهبي ذيل فستانها، أو تقوم غادة عبدالرازق فيه بدور عاهرة، وخلف مشهد يخلع فيه الطلبة ملابسهم في قاعة المحاضرات. فهذه الميزانيات الضائعة لو اجتمعت على فكرة لها مضمون أو هدف حقيقي يلامس هموم شعب مثقل بالمشاكل ربما تكون سبباً في تبديل فكر جيل جديد من دونية التفكير بأجساد مطربات وفنانات يعتمدن على إثارة المشاهدين بما يمتلكن من مغريات جسدية يستعرضن بها داخل فيلم ينتج بأكبر ميزانية ويرمى في سلة المهملات بعد شهور من عرضه. «كلمني شكرا» أحدث أفلام المخرج خالد يوسف صاحب أفلام «العاصفة، جواز بقرار جمهوري، إنت عمري، ويجا، خيانة مشروعة، حين ميسرة، ودكان شحاتة»، ومهما اختلفنا في السابق مع ما طرحه مضمون أعمال خالد يوسف المدعي دائماً تمرده على السائد ومحاولاته المستمرة تغيير مسار السينما إلى الواقع الذي اختصره في بعض أعماله في البيئة الشعبية والعشوائية المهمشة على اعتبار أنها اكثر البيئات قهراً وظلماً وجهلا، يكسبها كل هذا ثراء فنيا وتعددا لا نستطيع مناقشته ولو حتي في مائة فيلم. فالأعمال المذكورة كلها كانت تحمل سياقا دراميا وفنيا معتدلا، وتعبر عن وجهة نظر صانعيها من خلال رؤية كاتبها وصورة مخرجها وسخاء منتجها ومجهود فنانيها، بتنوع أشكالها الدرامية بين الكوميدي والأكشن والدراما الاجتماعية أو البوليسية والسياسية، مما يجعل المشاهد دائما في حالة جدل مع الذات ويصيبه بالقلق والتوتر النفسي.. أما في هذا العمل «كلمني شكرا» الذي يقدم فيه خالد يوسف الممثل عمرو عبدالجليل في أول أدوار البطولة المطلقة على شاشة السينما بعد تاريخ فني طويل، حاول المخرج تقديم شتى أنواع الدراما داخل العمل الواحد لكن بشكل عشوائي مزق ترابط السيناريو الهزيل الذي كتبه سيد فؤاد عن قصة الممثل عمرو سعد، فلم ندرك فكرة واحدة مكتملة الأحداث. بل شخصيات طوال الوقت في حالة تخبط مع الواقع دون أن نعلم أبعاد شخصياتها ولا دوافعها النفسية لهذه الأفعال كشخصية إلهام «غادة عبد الرازق»، فهي امرأه تطارد جارها طوال الوقت «إبراهيم توشكى» وتحاول إقناعه بأنه الأب الشرعي لابنها الوحيد «علي»، بعدما تهرب من زوجها السجين. وتعاود من جديد إغراء إبراهيم «عمرو عبد الجليل»، مع الإشارة دائما لتعدد علاقاتها مع الرجال والتركيز على سلوكها المشبوه مع معظم رجال الحي الذي تسكنه، دون أن نعرف لماذا تحولت إلى عاهرة، وبالتتابع أختها التي تبيع الهوى الشفوي مقابل كروت شحن للهاتف المحمول وكأنهما ولدتا بالفطرة عاهرتين. يحاول خالد يوسف تغيير حالة السواد التي قدمها في عدة أعمال أخيرة تعرضت للواقع بكل جوانبه إلى أن وصل بها إلى الحضيض، وذلك من خلال تقديمه هذا العمل على اعتبار أنه عمله الكوميدي الثاني بعد فيلم «جواز بقرار جمهوري»، مع الفارق الشاسع بين مستوي العملين. فهنا استثمار واضح للشعبية التي حققها الممثل عمرو عبدالجليل من خلال دوره في فيلم «دكان شحاتة» حيث قدم شخصية الأخ خفيف الظل الذي لفت نظر الجمهور بتقديمه للشخصية الكوميدية بطريقة جادة اعتمد فيها على تلعثمة بالكلام، ومنها اختلاق عدة مواقف كوميدية ساخرة، امتد بنفس تفاصيل هذه الشخصية إلى الفيلم التالي «كلمني شكرا» حتى أصبح تكرار الأسلوب والإلقاء هو الذي يصيب المشاهد بالسخرية. وليس الحوار المفتعل، على غرار محمد سعد عندما قدم في فيلم «الناظر» شخصية اللمبي، ولاقت عند بعض الجمهور نوعا من الترحيب في البداية، ومنها اعتقد بعض المنتجين أن تفرد هذه الشخصية الساخرة من خلال عمل مستقل سيعطيها مساحة أكبر وأوفر للانتشار والنجاح، فضخمها المخرج وائل إحسان في فيلم حمل نفس الاسم وتقبلها المشاهدون مرة أخرى. لكن التطويل في التكرار الهزلي لشخصية كوميدية احترقت معالمها في أكثر من عمل أفقد الشخصية جانبا كبيرا من تأثيرها على الجمهور، فلم تعد تجذبهم الحركات البلهاء وتلعثم الكلام. وفي هذا العمل أيضاً الذي يصنف عملا كوميدياً وهو في الواقع يخلو من أبسط أنواع الكوميديا تأثيرا، فانتظر المشاهد عله يجد مضمونا أكثر تأثيرا من الاستظراف المبالغ فيه، فإذا به لم يجد سوى عري إلهام «غادة عبد الرازق»، وحوارات الأبطال البذيئة التي لا تحمل أي مدلول فني ولا فكري سوي استقطاب فئة معينة من الجمهور، وهي جمهور الشارع الذي سيجد في هذا الحوار حديثه اليومي على النواصي. إبراهيم توشكى شاب يعيش وسط حي شعبي مع أخته ووالدته الفنانة شويكار، ويحاول أكثر من مرة البحث عن أي فرصة عمل يحصل منها على دخل يجعله ينفق على زواجه من جارته «داليا إبراهيم» التي يبدي حبه لها، وفي نفس الوقت يقوم بخيانتها مع إلهام، فيعمل مرة في النصب على شركة المحمول، ومرة في توزيع وصلات الدش لجيرانه نظير أجر وبشكل مخالف لقوانين حقوق الملكية، وكلها أعمال غير أخلاقية. إبراهيم لم يحاول ولو مرة واحدة البحث عن عمل شريف ولا حياة نظيفة كأنه نموذج لمواطن ولد من رحم الحرام، هو وأصدقاؤه الذين يتبع كل منهم مسارا مختلفا عن الآخر نشأوا على شرب الخمر والمخدرات. فصديقه الأول صاحب مخبز وصاحب ذقن وجلباب أبيض وصاحب مال، وابنه يفقد بصره في إحدى جلسات السمر حول الخمر والمخدرات مع أصدقائه أسوة بوالده فهو ليس إلا امتدادا لهذه البذرة من جيل الآباء إلى جيل الأبناء الذين يمثلون في النهاية ماضي ومستقبل المجتمع.