2012/07/04
السيد حسن - الخليج قدم مساء الليلة قبل الماضية ضمن الأعمال المشاركة في مهرجان الفجيرة الرابع للمونودراما العرض اللبناني “زواريب” تمثيل وإخراج رفيق علي أحمد، وتأليف السوري الراحل ممدوح عدوان وذلك على خشبة مسرح جمعية دبا الفجيرة للثقافة والمسرح .بدأ البطل العرض بعبارة “ارني كيس الزبالة الخاص بك . . أقول لك من أنت” . بهذا المعنى حاول رفيق علي أحمد الممثل والمخرج القدير أن يبدأ عرضه ويستهل تواجده على الخشبة بنقطة نظام ينطلق منها إلى الجمهور مفتشا عن أسرار أهل الحي الذي يعمل به زبالا منذ سنوات عديدة، وقد سافر لسنوات أخرى إلى خارج البلاد، ثم عاد مرة ثانية للحي الذي كان يعمل به ليجده كما هو لم يتغير البته في كل تفاصيله، ومعالمه التي حفظها عن ظهر قلب ويبدأ رفيق رحلته اليومية التي اعتاد عليها في جمع القمامة . كان هذا الزبال الذكي يعرف كل التفاصيل والأسرار الداخلية لأهل الحارة دون أن يشعرهم بشيء، وانطلق من خلال تلك الأسرار ليقدم تركيبة عبقرية في منتهى الإبداع حول المجتمع اللبناني بكل طبقاته الدنيا والبرجوازية والطبقات الراقية، ولكل طبقة همومها ومشاكلها الخاصة بها . وعلى الرغم من أن “زواريب” هو في الأصل نص للسوري ممدوح عدوان وقدمت له قراءات مسرحية عديدة خلال العشرين عاما الماضية إلا أننا لم نشاهد في عرض رفيق علي أحمد حياً سورياً، ولا ملامح الحي السوري بكل مشاكله وإرهاصاته التي أبرزها ممدوح عدوان في نصه الأصلي، بل ما رأيناه هو الحي اللبناني فقط، وهنا لابد من الإشارة إلى أن رفيق دائما في عروضه التي يقدمها على الخشبة لاسيما العروض المونودرامية يخرج على النص، وما كتب فيه، وما يتناوله من أفكار . . إذ إن لرفيق علي أحمد رؤية خاصة بل شديدة الخصوصية في كل الأعمال التي يقدمها على الخشبة . . وبهذا نستطيع أن نقول إن رفيق قام بلبننة النص شكلا ومضمونا . وكعادته خرج رفيق على النص في العرض بكل ذكاء حيث تطرق إلى أكوام الزبالة وقارن بين أوضاع الزبالين، وأحجام القمامة بين بيروت والفجيرة وناشد المهندس محمد الافخم مدير المهرجان الذي يشغل في نفس الوقت منصب المدير العام لبلدية الفجيرة بالتدخل . وعقدت ندوة عقب العرض أدارها المسرحي سامي عبد الحميد بحضور رفيق علي أحمد وبمشاركة عدد كبير من المسرحيين الكبار . وقال سامي عبد الحميد في بداية الندوة، جميل أن يضم المهرجان عملاً مسرحياً لممثلين مختلفين ومخرجين مختلفين فقد قدم حاتم السيد قبل يومين العرض نفسه للكاتب بعنوان “الزبال” واليوم يقدمه رفيق ولكن بعنوان “زواريب” وأحب أن أؤكد في البداية أن رفيق علي أحمد لم يكن زبالاً بل فناناً رائعاً في العرض وكما هو دائما . وقال عواد علي، ناقد عراقي، كان الممثل حيوياً ومخلصاً على الخشبة، ودائما أقول إن نصوص الراحل ممدوح عدوان صعبة وتحتاج إلى جهد ضخم . . وملاحظتي على العرض بان النص ينقصه البناء التصاعدي المحكم للحدث الذي بني على قاعدة فنية أفقية ومن هنا تكون الصعوبة البالغة في التعامل مع النص . الناقد المسرحي يوسف الحمدان أكد أن العرض تجربة قيمة تستحق التقدير لاسيما أن رفيق علي أحمد من الفنانين أصحاب القامات الفنية الكبيرة ليس على مستوى لبنان فحسب، بل على مستوى الوطن العربي كله فهو مؤسس مسرح المونودراما في لبنان .وأوضح أن رفيق قرأ الزبال في بيئة لبنانية وليست سورية . ومن ناحية السينوغرافيا فقد حاول رفيق أن يوظف كل مفردات السينوغرافيا على المسرح توظيفا صحيحا ونجح إلى حد كبير في هذا التوظيف، فنجده مثلاً عندما حاول أن يكون محامياً يدافع عن إحدى شخصيات العمل لبس في يده اليمنى كيساً لونه أسود، وكأنه روب المحاماة . وطالب الحمدان إدارة المهرجان والمهرجانات الأخرى المناظرة باستغلال الطاقات الفنية الهائلة والإبداعات الخاصة لرفيق علي أحمد بتنظيم ورش فنية متخصصة لتعليم الشباب المبادئ الأصلية والقواعد الاحترافية للمسرح . وقال الإعلامي محسن محمد العرض أحدث نوعاً من المعادلة الموضوعية لمسرح المونودراما الخاص بالنخبة المثقفة، حيث نجح في الوصول إلى شرائح ثقافية متدرجة المستويات ووصل إلى عامة الناس وهذه إحدى معضلات مسرح المونودراما واشكالياته الكبيرة التي لم يستطع احد من النقاد والمسرحيين حلها بشكل حاسم . الناقد التونسي المنجي إبراهيم قال، ليس لدي أي اعتراض على النص ولا على أداء الممثل ورؤية المخرج الإجمالية . . ولكن لدي بعض النقاط البسيطة أولها غياب المنطقية والموضوعية عن العرض لاسيما منذ اللحظات الأولى لعودة الزبال الذي غاب طويلا عن الحي الذي كان يعمل به ثم عاد من جديد ليرى كل شيء كما هو ثابت وساكن لم يتغير وهذا ضد طبيعة الكون بالإضافة إلى ذلك يعمل مباشرة زبالا . ناهيك عن الازدواجية غير المقبولة في العمل . وأشاد المسرحي الأردني نبيل المشيني بأداء رفيق علي أحمد قائلاً: على الرغم من السن المتقدم للممثل إلا أننا لم نشعر بذلك إذ ظهر على الخشبة كما لو كان ابن العشرين . وقال المؤلف المسرحي العراقي خلف محمد، الفائز بالمرتبة الثانية للمسابقة الدولية لنصوص المونودراما، لي بعض الملاحظات منها أن الانتقال بين شخصيات العرض التي يقدمها الفنان لم يكن محكماً بالشكل الكافي، كذلك لاحظنا خروجاً على النص، وهذا لا يجوز هنا لاسيما في مسرح المونودراما، أما نقطتي الأخيرة والهامة فهي أنني أتساءل فقط: ماذا لو أسقطنا اللغة من العرض فهل سيكون ذلك الإسقاط مؤثراً في العمل، وبمعنى آخر هل كنا سنفهمه فهماً وافياً كما نفهمه الآن، أعتقد أننا كنا سنفهمه كما وصل لنا الآن لأن اللغة في العرض لم تكن كافية . الناقدة السعودية حليمة المظفر أشادت بالعمل وبطله وقالت: مسألة الخروج على النص في العرض كانت منطقية وفي منتهى الذكاء . . ولكن كنت أشعر مع الانتقال من شخصية لأخرى في العرض أنني أمام الممثل رفيق علي أحمد ولم أشعر أنني أمام الشخصية المسرحية . وقال الناقد الفلسطيني الدكتور نادر القنة في هذه التجربة تجسد أمامي جليا الفكر اليساري بكل قوته وعنفوانه قولا وتطبيقا من خلال نص الشاعر الكبير والمبدع المسرحي ممدوح عدوان وتمثيل رفيق علي أحمد . وعقب الفنان اللبناني رفيق علي أحمد مخرج وبطل العرض على وجهات نظر النقاد قائلا: أنا ضد وضع تعريف واحد مقولب للمونودراما، لأننا نشتغل بالمسرح ولأن المسرح عمل فكري وإنساني فلابد أن يكون لكل شخص ابتداء من المؤلف والمخرج وصولا إلى الممثل وجهة نظره الخاصة وهكذا هو حال الفن إذا أردنا إبداعا وتقدما علينا أن نخلص أنفسنا من حصار التعريفات والمصطلحات الجاهزة والمقولبة . والدليل على ذلك أن المونودراما قدمت في اعرق المسارح مثل المسرح اليوناني، كما قدمت في ألف ليلة وليلة . . أنا ضد القوالب ومحاصرة الفنان بقالب معين الأهم في الموضوع كله أن يتعايش الممثل مع الشخصية التي يؤديها وان يعايشها بكل تفاصيلها الدقيقة