2012/07/04
عصام أبو القاسم- الحياة تجارب عديدة بذلت في السنوات الأخيرة لتطوير الدراما السودانيّة بالاستعانة بكوادر من سورية ومصر إلا انها لم تجد ترحيباً يوازي ما أنفق فيها من مال، بل قوبلت بسخط من بعضهم بخاصة وسط الدراميين. الحال، على رغم عراقة الدراما السودانيّة إلا انها خسرت الكثير مما كسبته مع منتصف الثمانينات من القرن الماضي نتيجة التقلبات السياسية التي لم تُبق على شيء ومرّ وقت بات الحديث فيه عن «الدراما» من «المحرمات» خصوصاً بداية التسعينات! وعلى رغم ان التلفزيون السوداني أبدل نظرته وفتح الباب لإنتاج دراما محلية بعد سنوات قليلة إلا انه وضع الكثير من «الخطوط الحمراء» التي يجب ألّا يتعداها العمل تبدأ بمضمونه ولا تنتهي عند أزياء الممثلات ودرجات مكياجهن! كثر من الدراميين لا يرون ان ما تمّ تقديمه في تلك الفترة مما يمكن التوقف عنده، بل ان التلفزيون نفسه ما لبث ان اكتشف ذلك وأبقى كل ما أنتجه في العلب ليفسح المجال كاملاً للمسلسل المصري غالباً، أو السوري في بعض الأحوال، فالكلفة هنا أقلّ، كما يقول التلفزيون دائماً، والشركات المعلنة ترغب في المسلسل العربي لأنه يزيد نسبة المشاهدة لإعلاناتها. ومع زيادة الفضائيات السودانيّة أخيراً، أي بعد توقف الحرب الأهلية 2005 والانتعاش الاقتصادي الذي أحدثه تصدير البترول، زادت وتيرة الاتجاه للخبرات العربية ليس فقط لصناعة دراما محلية إنما أيضاً لصناعة فضائيات تستطيع المنافسة في المشهد التلفزيوني العربي والمثال الأبرز على ذلك قناة «الشروق» التي تبث من مدينة الإنتاج الإعلامي في دبي وتنسب إلى رجل الأعمال السوداني جمال الوالي «بعضهم يشكك في ذلك وينسبها إلى الحزب الحاكم» فطاقمها الفني في معظمه من الفلسطينيين والأردنيين والسوريين. لكن بداية الانفتاح على الخبرات العربية تمت في وقت أبكر من ذلك فثمة مسلسل أنتجه التلفزيون السوداني في 1998 بعنوان «الغول» من إخراج محمد نعيم سعد أشرك فيه عدداً من نجوم الدراما السورية لكنها أتت تجربة وحيدة ومعزولة ولم تثمر أي أصداء لافتة. ومع العام 2007 بدا رأس المال السوداني يتوجه بسخاء أكبر إلي سوق الإنتاج الفني العربي. وكانت البداية، بخاصة في الدراما، مع «مؤسسة الفداء» التي دفعت «أموالاً خرافية» ـ كما جاء في الصحف المحلية ـ وأنتجت مسلسل «أمير الشرق» بطاقم فني مصري. فالمخرج هو توفيق حمزة والبطولة لجمال عبدالناصر وأغلب مواقع التصوير في مصر على رغم ان العمل يتناول سيرة الثائر السوداني عثمان دقنة (رحل 1925) ولم يضم العمل إلا القليل من الوجوه السودانية وفي أدوار ثانوية وهو ما زاد من ضراوة الحملة الصحافية الانتقادية التي أعقبت بث العمل في التلفزيون السوداني واستمرت طويلاً، وفي 2008 أنتجت قناة «ساهور» السودانية مسلسل «قمر بني هاشم» بتكلفة مليون ونصف المليون دولار لكن أيضاً بفريق عمل سوري بالكامل يقوده المخرج محمد الشيخ نجيب وبمشاركة محدودة لثلاثة ممثلين سودانيين ولم يكن صداه محلياً أفضل من سابقه! وها هي قناة «الشروق» تستعين بخبرة سورية أيضاً لتقدم سلسلة درامية بعنوان «حكايات سودانية» وقد أنجزت منها لغاية الآن نحو خمس عشرة حلقة من أصل عشرين، وتبدأ بثها مطلع هذا الشهر أسبوعياً. ويبدو ان «الشروق» تراهن كثيراً على الدراما المحلية، فهي منذ انطلاقتها قررت ألا تبث المسلسلات ما لم تنتج أعمالاً محلية لا تقل في مواصفاتها عن الأعمال العربية المطروحة. وبدأت مشروعها بمسابقة للنصوص الدرامية بلجنة تحكيم على رأسها المصري محفوظ عبدالرحمن. وأعقبت ذلك بإنتاج بعض الأعمال القصيرة كما بدأت العمل أخيراً في مسلسل تاريخي بعنوان «الحريق» يقارب موضوعة التمازج الثقافي بين المجموعات السكانية في السودانية. «التيمة» ذاتها حضرت في عدد من حلقات سلسلة «حكايات سودانية» كما يقول مخرجها السوري عروة محمد ويضيف في حديثه مع «الحياة»: «هناك موضوعات أخرى لكن القناة تسعى إلي ترسيخ قيم السلام والوحدة لذا طلبت من المؤلفين ان يكتبوا لها على هذا الخيط...». ويقول المخرج الشاب الذي عُرف أكثر كمخرج منفذ، انه يعوّل كثيراً على «حكايات سودانية» للانتقال بالدراما السودانية إلى أفق «يشبه الثراء الاثني والثقافي للسودان»، مبيناً ان قراءاته ومشاهداته الحية أوقفته على الكثير من الإمكانات البكرة التي يزخر بها البلد ويشرح: هناك استديوات طبيعية في السودان، والكثير من المواقع الملهمة والتي للأسف لم تُستغل في ما شاهدته من أعمال سودانية...» من جانبه يؤكد جمال عبدالرحمن صاحب شركة «موجة» المنفذة للعمل على اختلاف التجربة، مشيراً إلى ان غالبية الكادر من السودانيين، في التأليف والتمثيل، أما الطاقم السوري فيشتغل في الإخراج ومستلزماته التقنية فقط ويضيف: «شارك في هذه الأفلام ـ كما افضل تسميتها، 4 مؤلفين هم مصطفى أحمد الخليفة، أنس عبد المحمود، قصي السماني، عبدالناصر الطائف، و نحو 100 ممثل وممثلة و24 تقنياً من السودان. ويمكنني القول إننا حصلنا على فنيي إضاءة وصوت وسواه من هذه التجربة كما أننا حصلنا على أدوات تقنية لم نكن نستخدمها على رغم أهميتها وبالمجمل نحن أنتجنا أعمالاً درامية عالية الجودة وشركة للإنتاج الدرامي لا تقل في إمكاناتها عن أي شركة عربية». الناقد السوري بشار إبراهيم المكلف من القناة للإشراف على إنتاجها الدرامي يتحفظ عن ذكر موازنة العمل ويضيف: المهم أن الموازنة المرصودة، مدروسة بدقة، بحيث تمكننا من الحصول على ما لا يقل عن مستوى الدراما العربية، فنياً وتقنياً وهي كافية كما نعتقد، دون بذخ، أو هدر».