2012/07/04
5حواس - البيان هل يمكن لمجتمع أن يحيا حياة سوية دون وجود نزاع دائم بين الخير والشر؟، بالطبع لا؛ فهذا قانون الحياة منذ أن خلقت الأرض، ولكن الجديد الذي قدمه لنا صُناع فيلم «عزبة ادم» توليفة غير اعتيادية صراعا لم يكن الخير أبداً طرفاً فيه، صراع الشر مع الشر من أجل تقديم المزيد من السوداوية التي دسها لنا المؤلف محمد سليمان في سيناريو فيلم «عزبة ادم». وترجمها المخرج محمود كامل في لقطات مجمعة لم يستوعب المشاهد مبرراتها؛ لوحة سريالية مطموسة المعالم لقطيع من بشر جرده صُناع الفيلم من أدنى صفات الأخلاق؛ سواء كانوا رجالاً أم نساء فالجميع في «عزبة ادم» يتحول دون مقاومة وبشكل أشبه للتلقائية إلى أسمى معاني الانحراف. «عزبة ادم» كما ظهر لنا في معظم مشاهد الفيلم منطقة منبوذة من العالم الخارجي لها؛ تتميز بعشوائية التفكير والأخلاق، لم يستدل لها على هوية مكانية؛ إلا في مشهد واحد حمل صورة الرئيس؛ لو أسقطناه من الفيلم لتحول المكان بكل ما فيه إلى قطعة من عالم افتراضي اختفت منه الملائكة وسكنته الشياطين بكل أفعالها الفاسقة. وباء الانحلال... لا نبالغ بهذا الوصف فمن شاهد الفيلم يمكنه أن يدرك ذلك، ومن لم يشاهده لن يخسر الكثير؛ فالمؤلف صب كل أنواع الانحراف في قالب شخصيات القرية، والتي لم يكن للخير مكان فيها إلا من خلال شخصية رجب شيخ الصيادين (محمود ياسين) التي لم يعطها المخرج أدنى صفات الشجاعة ولا المقاومة؛ فها هو خيط النور الوحيد الموازي لطوفان الشر وصل إلى أبعد حد يخشى الإفصاح عن آهاته وظلمه والتصدي لقوة الفساد فيرحل بأمر ضابط العزبة الفاسد (ماجد الكدواني) بعد إدخال ابنه السجن ظلمًا؛ متمها بالقتل، يرحل رجب عن هذا المكان المليء بوباء الانحلال؛ بالإضافة إلى شخصية المدرس الذي سحقه أطفال العزبة تحت أقدامهم مستهزئين بعلمه وثقافته التي لا تجدي ولا ترفع عنهم غطاء الفقر؛ فلم يبق شيء في «عزبة ادم» بعد سحق العلم وطرد الخير وإظهار الضعف سوى حامد ومصطفى أصدقاء الطفولة.. حامد «فتحي عبد الوهاب» يبدو كمجرم بالفطرة، أما مصطفى «أحمد عزمي» فيتبعه في أفعاله بحكم الصداقة التي تجمعهما.. ولكن الأخير يتخلى عن دراسته التي لم ينظر لها إلا كونها مجرد جسر يعبر عليه ليخرج إلى المجتمع الاخر الأكثر نوراً وثراء عنه في مجتمع العزبة المنحط المليء بالساقطات وتجار المخدرات واللصوص، لكن مقاومته لم تدم طويلاً فمن أجل مريم «دنيا سمير غانم» إحدى ساقطات العزبة يتخلى عن رغبة والده في استكمال دراسته، والتي لم يظهرها على أنها رغبته الشخصية في تردد دائم لهذا الإحساس فيشارك صديقه حامد عملية سرقة أحد الأثرياء في العزبة؛ فتتحول العملية إلى جريمة قتل يتحملها مصطفى بمفرده بعد أن يوشي به حامد في صفقة يعقدها معه ضابط الشرطة مقابل مساعدة في الايقاع بتاجر المخدرات الأشهر في العزبة. علاقات متشابكة ويتواصل الانحلال داخل العلاقات المتشابكة بين سكان عزبة ادم بتحول مصطفى بفعل الظلم إلى إرهابي بعد خروجه من السجن، ويعود ليتردد على القرية، ولكن تذبذب شخصيته وتبعيته منذ البداية وراء صديقه تجعله يتراجع بعد علمه بالصفقات المشبوهة التي تقوم بها الجماعة الإسلامية التي ينتمي لها؛ فيهرب ويبلغ عنهم الشرطة، ويتزوج من قوادة القرية «هالة فاخر»، ويعمل معها في توظيف الأموال، ويتزوج حامد من مريم رغماً عنها، وينجب طفلاً يموت بسبب تجارة ابيه للمخدرات، والجميع يموتون في النهاية، ومن يبقى حياً هي الساقطة عرض المخرج والكاتب شخصيات «عزبة ادم» منحلين بالفطرة؛ فالفقر لم يكن وحده السبب الرئيسي، ولا الدافع الوحيد لانحلال مجتمع العزبة المصغر عن المجتمع الكبير؛ لكن توافر النية والمناخ المناسب والبيئة الخصبة لذلك من العوامل المساعدة على نمو كل هذه الشرور في نفس الشخصيات المستسلمة لأمرها الواقع، وقدرها المحتم الذي لم يفرض عليها؛ فدائماً هناك خيارات، وإن كانت أحياناً قاسية وبعيدة المنال؛ لكنها لا تبدو قريبة وممكنة؛ إلا لمن يمتلك في الأساس إرادة ووعيا حقيقيا بوجودها إلى جانب الخيارات الأخرى. مشاهد مكررة كما ذكرنا أحد مشاهد الفيلم بمشهد من فيلم «طيور الظلام» بين الفنان عادل إمام ورياض الخولي؛ في مبارزة بين قطبي الشر بالحديث رغم أن لكل منهما طريقًا منفصلاً عن الآخر؛ إلا أنهما بالنهاية يجتمعان تحت وطأة الفساد، كما هو الحال هنا، وبنفس هيئة هذا المشهد نرصد مبارزة موازية بين حامد ومصطفى الذي يصر عن الابتعاد دائمًا عن صديقه بحجة أن طريقهما مختلف، وكأنه واعظ ديني يبرزه المخرج في أكثر من مشهد على هيئة ملاك يشع وجهه نوراً يظهر ويختفي أمام مريم الساقطة، والتي لم تتب عن أفعالها؛ إلا بعد زواجها بالإكراه من حامد. في المشهد نفسه الذي يطابق إلى حد كبير مشهد فيلم «الجزيرة» لأحمد السقا ينصرف عن حامد كل أعوانه بعد إصابته بلوثة الغرور، وتطارده الشرطة حيث يقف أعلى شرفة بيته المصفح، ويتبادل معهم اطلاق النيران كأن الحرب اشتعلت دون رادع، وتضع زوجته الضعيفة مريم حداً لهذه الحرب فتشعل في حامد النيران دون أن يحاول منعها أو مقاومتها كأنه لا يقوى عليها، وينتقم زعيم الجماعة من مصطفى أيضاً فيقتله؛ وينتحر الضابط بعد تحويله إلى التحقيق.محمود ياسين لم يضف شيئا لرصيده الفني بهذا الدور، فالدور لا يختلف كثيرا عن دوره في الجزيرة في هيئته وأسلوبه، أما حامد «فتحي عبد الوهاب» فلم يخرج عن إطاره المعتاد في تقديم شخصية ابن البلد التي قدمها في فيلم «فرحان ملازم ادم» وغيرها من الأعمال التي كانت تتشابه مع شخصية حامد؛ بل في هذا الفيلم بالغ فتحي في انفعالاته التي عكستها ملامح وجهه وعيونه التي يحاول دائماً أن يرسم بها ملامح الشر على الشاشة.. الصوت العالي والصراخ الذي خرق اذان المشاهد في صالة العرض جعل البعض يضحك سخرية ويعلق على الأحداث «خلصونا بقى». وبالمثل شخصية مصطفى «أحمد عزمي» هادئ الوجه دائماً كما تعودنا عليه وضع أيضاً في قالب الشخصية المترددة، ومريم «دنيا سمير غانم»، وإن لم يكن دورها على المستوى الجيد؛ لكن أداءها المتزن، وإبراز المخرج لجمال وبساطة وجهها رفع من أدائها، وأعطى مساحة كافية يمكن أن ندلل على نجاحها الفني من خلال هذا الفيلم.. بشكل عام عند متابعة الفيلم لا يسع المشاهد إلا حل من اثنين أن يخرج من القاعة وينقذ نفسه من معاناة المشاهدة، أو يبقى ويكتم أنفاسه ويغفو على الكرسي. إضاءة الفيلم: عزبة آدم تأليف: محمد سليمان إخراج: محمود كامل بطولة: أحمد عزمي، فتحي عبدالوهاب، دنيا سمير غانم، محمود ياسين، هالة فاخر إنتاج: كريم السبكي مدة الفيلم: 110 دقائق