2012/07/04
دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الخميس 17 كانون الأول 2009
سامر محمد إسماعيل
يقول الكاتب والمخرج المسرحي فرحان بلبل في حوار أجرته معه الزميلة (تهامة الجندي) لجريدة الكفاح العربي بتاريخ 12/8/2002 (إذا قلنا إن ماحدث في المسرح العمالي تراجع، فإننا لا نستخدم الوصف المناسب؛ بل يمكن القول إن ما حصل فيه هو سقوط وافتقاد هوية، وقد بدأ هذا السقوط والافتقاد للهوية منذ أن أخذت الطبقة العاملة تفقد الكثير من خصائصها وطموحاتها، وعندما بدأت تخرج عن موقع القوة السياسية والاقتصادية؛ فلم تعد قادرة على إبراز وحماية المسرح المعبر عنها، وأصبح المسرح العمالي مجرد زينة في المناسبات الوطنية، وصار اتحاد كل محافظة يلملم كل عام مجموعة من الأشخاص لايعرفون عن المسرح شيئاً، ولا يمتلكون أية رؤية فنية أو فكرية، فيقدمون (عملاً مسرحياً) ما، من هنا فقد المسرح العمالي موقعه وخصائصه ودوره فصار شيئاً مهملاً في المسرح السوري.) هذا الكلام الذي قاله الأب الروحي للمسرح العمالي في سورية الأستاذ بلبل لايمكن إلا أن نأخذ به اليوم بعد مضي سبع سنوات على هذا الطرح، فبعد عودة الدورة العشرين للمهرجان المركزي لمسرح نقابات العمال (بين 6ولغاية 17كانون الأول الجاري)، وتكريم الأستاذ (بلبل) في حفل افتتاح المهرجان؛ وبعد مايقرب الست والثلاثين سنة على تأسيس فرقة مسرح عمال حمص عام 1973 سيلاحظ القادم إلى خشبة نقابات العمال أن شيئاً لم يتغير هناك، ماعدا تلك الأحلام الكبيرة التي حملها عمال الغزل والنسيج والكونسروة من خطوط الإنتاج إلى مسارح المحافظات والعاصمة السورية منتصف سبعينيات القرن الفائت، وكما تهدينا المراجع القليلة إلى صدى هذا النوع من التكتل الثقافي بمعناه الإنتاجي، لا بمعناه الإبداعي سنقرأ العديد من المقالات حول تلك الأيام الخوالي من تاريخ المسرح السوري ورحلات فرقة عمال حمص إلى أقاصي البلاد لتقديم المسرح في حقول رميلان والجبسي، إذ كان مسرح العمال حينذاك يرفع شعاراته العريضة كمسرح للبسطاء وعامة الناس، في وجه (مسرح برجوازي قميء) لا يعترف بحق الجماهير الكادحة بالدخول إلى صالات العرض ومشاركتها في ميادين الثقافة، كلام كان يبدو فيه صدى الثورات الاجتماعية التحررية لعالم كان ينقسم بين معسكر اشتراكي ينتصر لعرق عماله، وشعاره ذائع الصيت: (من لا يعمل لا يأكل) ومعسكر للرأسمالية الغربية بشعار أدق رقبة (دعه يعمل دعه يمر)، بين هذا وذاك، وبين أطروحات اقتصادية عالمية طورت عملها وانفتحت على نظرية اقتصاد السوق الاجتماعي، وحيص وبيص دول العالم الثالث في الانغلاق على النفس مع إيجاد دور جديد للدولة والإشراف على القطاع العام، أو بيعه إلى القطاع الخاص من جهة، وبين تسلط طغمة رأس المال مع تأسيس الصندوق والبنك الدوليين وسقوط الاتحاد السوفييتي وظهور الشركات المتعددة الجنسية تسعينيات القرن العشرين من جهةٍ أخرى؛ يمكن هنا أن نعود إلى كلام المسرحي (فرحان بلبل) بخروج الطبقة العاملة من مراكز القوة الاقتصادية والسياسية، ومع هذا الخروج لا يمكن إلا أن ننظر إلى مسرح حوّل الخشبة إلى قطعة من الحنين إلى أيام الأحلام بمجتمع الرفاه الاجتماعي، مسرح خارج التاريخ، لم ينتبه إلى ماحدث خلال مايقارب أربعين سنة مرت بها البشرية من عواصف اجتماعية واقتصادية إلى أن وصلت إلى اقتصاد المعرفة والمعلومات، مسرح خالي الوفاض، يقدم استظهارات لنصوص عالمية معظمها مترجم بشكل سيئ، مسرح تعامل فيما سبق مع الواقعية الإبسنية والتغريب البريختي من منطق التفوه والتشاوف بمعرفة العناوين العريضة للنظرية المسرحية، طبعاً بقي مسرح العمال في سورية يشكل ظاهرة اجتماعية، كغيره من الظواهر التي تبدأ بهيصة كبيرة ثم تندثر وتنتهي إلى مقاعد وآلات باردة.. ثم ماذا..؟ هل يكفي أن نتفرج على فرق المسرح العمالي التي جاءت من محافظاتها البعيدة لتشارك في مهرجان يستمر من حلاوة الروح، ومن رغبة نقابية محضة لاستعراض الإنتاج الميكانيكي للمسرح على أنه جهد إبداعي لواقع صناعي مزيف، ثم أين جمهور هذا المسرح الذي يشبه حال آلاته وخساراتها غير المعلنة؟ ربما كان شرفاً لمهرجان العمال أن يقدم عروضه التعيسة في الوقت الذي تغيب عروض مديرية المسارح في عزّ ريبرتوار المسرح القومي في العاصمة السورية، وإذا كان المسرح العمالي يعاني من ظروفه القاسية التي مازالت تبحث على أيدي منظري الاقتصاد عن نظرية تنقل القطاع العام من دعم الدولة إلى (بيرسترويكا) تعيد بناء الاقتصاد بدور مختلف لإشراف الدولة المباشر أو غير المباشر، فإنني لا أتوقع من شرائح اجتماعية عريضة كانت تحلم بتحقيق بطولات الإنتاج المادي،أن تظفر ببطولات في الإبداع الثقافي، باختصار الركون إلى مسرح تلجأ إليه للتعبير عن همومها بلا أي تعال على الجمهور أو ترك النخبة للاستئثار بالمسرح، كما كان يوصف آنذاك منظرو الحركة المسرحية بأن مسرح العمال يناصب العداء للمسرح التجاري الرخيص؟ من الواضح وعبر عدة عروض شاهدتها في مهرجان مسرح العمال أن لاشيء يمكن الحديث عنه بتوصيف نقدي يفند هذه العروض نقدياً عرضاً تلو آخر، فهذا سيزيد غثاثة تلك المسرحيات غثاثة، ويزيد من وهم أناس طيبي القلوب بأنهم يمسرحون واقع الجماهير وتطلعاتها، بل أرى أنه عليّ النظر بشمولية إلى الأسباب التاريخية التي صنعت هذه الظاهرة كنتاج اجتماعي وثقافي، الظرف التاريخي الذي جعل من هؤلاء الهواة مجرد مادة أدبية في النوستالجيا، إذ يبدو أن هناك من يغرر بهؤلاء ويدفعهم بسوء أو بحسن نية ليكونوا مجرد إكسسوارات لأشكال فنية ميتة ربما لا تمت إلى فن المسرح بقدر ما تعطي صورة توثيقية لواقع الحال، الفشل الذي لا يمثلونه، بل يعيشونه على الخشبة بكل صدق لكن أكثر العمال المسرحيين لا يعلمون..