2012/07/04

قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية المايسترو ميساك باغبودريان ..بعض التنازلات كفيلة بتطوير موسيقانا
قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية المايسترو ميساك باغبودريان ..بعض التنازلات كفيلة بتطوير موسيقانا

دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الثلاثاء 15 كانون الأول 2009
إدريس مراد
تعاني الموسيقا الشرقية عموماً حتى الآن من أزمة التطوير، فبقيت ذات طابع غنائي واعتمدت على اللحن الواحد، كما تمسك كل بلد بمقاماته. فضلاً عن الاختلافات بصناعة الآلة الموسيقية حتى في البلد الواحد، بينما استفادت أوروبا والغرب من بدايات الموسيقا الشرقية لتطوير موسيقاهم لتنتشر على بقاع الأرض وتصبح لغة العالم، وبقيت موسيقانا على ما هي عليه الآن، هذه الأمور ناقشناها مع موسيقي له وزنه في حياة الموسيقية السورية، حيث درس الموسيقا منذ نعومة أظافره في المعهد العربي للموسيقا في دمشق ومن ثم المعهد العالي، ليوفد إلى إيطاليا لدراسة قيادة الأوركسترا مدة خمس سنوات، إنه المايسترو ميساك باغبودريان قائد الفرقة السيمفونية الوطنية السورية حيث قال: ‏ ندرة الدراسات العلمية

 

‏ هناك من يقول بأن الموسيقا الشرقية صعبة وذات مقامات عديدة، يعكس ما تحتويه الموسيقا الأوروبية، ماذا تقول عن هذا الفرق بين الموسيقتين...؟ ‏ لا تجوز المقارنة بين الموسيقا الشرقية والموسيقا الكلاسيكية لأنهما نمطان يختلف أحدهما عن الآخر. لذلك يجب أولاً توضيح ما المقصود بمصطلح الموسيقا الكلاسيكية إذ إن الشائع عنها أنها الموسيقا التي وجدت في أوروبا في فترة من الفترات، إلا أن هذه التسمية في الواقع تطلق على أي موسيقا جادة يعتمد تأليفها على قواعد وأسس معينة بالتالي فإن الموسيقا الكلاسيكية العالمية تضم الموسيقا الشرقية الكلاسيكية أما الموسيقا الشرقية التقليدية (والتي تعنيها الأغلبية بقولها موسيقا شرقية) فهي تشكل التراث والإرث الثقافي للشرق وهي تدخل ضمن الإرث الثقافي العالمي. ‏ وعلى كل حال، فإن المقامات كانت موجودة في الموسيقا الغربية أيضاً وتم الابتعاد عنها فقط حين أراد الغربيون تطوير الموسيقا باتجاه الموسيقا البوليفونية أي متعددة الأصوات والموسيقا الهارمونية التي تعتمد نظريات الانسجام بين الأصوات وبذلك تم الاقتصار في التأليف على سلّمين أساسيين هما السلّم الكبير والسلّم الصغير لأنهما يخدمان فكرة الهارموني وفلسفتها من ناحية ووجود الخواص الهارمونية التي تساعد على توضيح فكرة الانتقال والاستقرار أي تمكن من ترجمة الأحاسيس لتصبح أصواتاً. ‏ إن ما تعانيه في أيامنا هذه الموسيقا الشرقية ولاسيما موسيقا الشرق الأوسط برأيي هو ندرة الدراسات العلمية والأكاديمية في هذا المجال فمعظم الدراسات الغربية في مجال الموسيقا اعتمدت على علاقة الموسيقا بالعلوم الأخرى أي بالرياضيات والفيزياء وعلم الصوت بينما إلى الآن يصعب قراءة بحث عن الموسيقا الشرقية يعتمد على هذه العلوم مع أن أهم موسيقيي الشرق فيما مضى كانوا أيضاً علماء (الفارابي....). ‏ والمشكلة الثانية تكمن في عدم وجود ثوابت وعدم وجود وجهة لهذه الموسيقا، فحتى الآن نجد اختلافات بأسماء المقامات بين منطقة وأخرى واختلافات في نوعية المقام ودرجاته وعدم وجود نقاط مشتركة وواضحة مما يسبب التشتت وعدم القدرة على التطوير. ‏ وقد يقول البعض: إن في هذا التنوع يكمن غنى هذه الموسيقا، ولكن إذا أردنا التطوير فلا بد من إيجاد أو تحديد ثوابت مشتركة بين كل من يعمل بهذه الموسيقا، لأن الموسيقا العلمية والمبنية على الرياضيات لا بد أن تعتمد على نظريات ثابتة، غير متحركة وغير مبهمة، وهذا يستوجب بعض التنازلات في سبيل تطوير موسيقانا. ‏ ماذا تعني بالتنازلات..؟ ‏ نتيجة للتطور الذي حصل للموسيقا خلال قرون نلاحظ التأكيد على الأبعاد الثلاثة وحتى الأربعة للبناء الموسيقي، أما العاملون في الموسيقا الشرقية والعربية خاصة يصرون على أهمية البعد الواحد أي اللحن وبالتالي دخول الأبعاد الأخرى في هذه الموسيقا سيغير من خصوصية البعد الواحد وهو أمر مستهجن من قبل الموسيقيين الشرقيين إلى الآن، إضافة إلى ضرورة إيجاد أو الاتفاق على السلالم المشتركة والموحدة بين جميع المدن والدول الشرقية لأن ما تم دراسته على البيات الحلبي لن يكون صحيحاً في دمشق إلا إذا كان الحديث عن البيات نفسه. ‏ طبعاً جميع هذه الأفكار لا تتعلق بالتراث الذي تجب المحافظة عليه كما هو إذ إنه يحمل ما يميز شعوب المناطق فالموسيقا التراثية تتأثر ببيئتها المحيطة وتخاطب أبناء شعبها وحده على عكس الموسيقا الأكاديمية الشرقية. ‏ مشكلة التسمية ‏ يعني برأيك أن الضعف الذي تعانيه الموسيقا الشرقية سببه الأكبر هو عشوائية صناعة الآلة..؟ ‏ إحدى أهم المشكلات التي تعاني منها الموسيقا الشرقية هي مشكلة التسمية فمصطلح الموسيقا الشرقية وكما ذكرت سابقاً هو مصطلح عائم ضاعت فيه الموسيقا الشعبية بين الموسيقا الكلاسيكية الشرقية وبين الموسيقا الحديثة الآن، أصبحت كلها تحت تسمية الموسيقا الشرقية، أي هناك ضياع وعدم وضوح بأنواع هذه الموسيقا، هي موسيقا سورية، أم هندية، أم يابانية؟ فمصطلح «الشرقي» كبير وواسع، ولذلك يجب أن نحدد على أية موسيقا سنتحدث بالضبط، فالموسيقا الشرقية لا تشبه بعضها، لا في الشكل ولا في الظروف التي نشأت فيها، بمعنى أن لكل شعب موسيقاه المختلفة عن غيرها تماماً وهذا ما ينعكس أيضاً على الآلات الموسيقية، فهناك اختلافات كبيرة في صناعة الآلات الموسيقية في بلادنا، هذه الاختلافات ليست فقط بين بلد وآخر وإنما ضمن المدينة الواحدة. والسبب يعود برأيي لطبيعة الإنسان الشرقي والذي يتمسك برأيه ويرفض النقاش العلمي في هذا المجال، فكل صانع عود مثلاً يعتبر طريقة صناعته للآلة والتقنيات التي يستعملها هي الصحيحة وإذا سألناه عن الدراسة التي اعتمد عليها فنادراً ما نجد دراسة علمية مكتوبة. وبينما يجتمع صناع آلات الكمان في العالم في مؤتمرات وورشات عمل للاطلاع على تطور هذه المهنة ومناقشة وجهات النظر، لا نجد أياً من هذه الملتقيات لصناع آلة العود مثلاً. ‏ إذاً ما نسمعه من الموسيقا الأوروبية ليست شعبية.. أليس كذلك..؟ ‏ لا، ليست شعبية بل كلاسيكية عالمية، تعتمد بالإضافة إلى الأحاسيس على معادلات منطقية وعلمية، وهنا لا أنكر جمال العاطفة في الموسيقا، وإنما يجب أن تكون أيضاً منطقية لتتمكن من مخاطبة كل الناس في العالم، الأمر الذي تبتعد عنه الموسيقا العربية التي يغلب عليها الطابع الطربي البعيد عن المحاكمة المنطقية والرياضية وهو طابع قد يؤدي إلى زوال موسيقا ما بزوال مؤديها أو مؤلفها. ‏ طفرات ‏ ولكن أوروبا استفادت من موسيقانا..؟ ‏ طبعاً، الموسيقا بدأت من عندنا وذهبت إلى أوروبا وتطورت هناك وبقيت عندنا على حالها منذ مئة وخمسين عاماً وما زالت تكرر نفسها. باستثناء بعض الطفرات كتجربة الرحابنة الذين حاولوا تطوير الموسيقا الشرقية باتجاه الموسيقا الغربية كمصطلح، وما وصل إليه الغرب ليس إلا تطور طبيعي للعصر، وما نراه في موسيقانا السورية المعاصرة هو ذلك التطور الغريب علينا، وبالتالي يعطينا إحساساً بغربيته، بينما هو تطور طبيعي للعصر، وكما قلت سابقاً بأن الفنون كلها في خانة واحدة فالتطور الذي حصل في الفن التشكيلي السوري لا نستطيع أن نسميه إلا بأنه فن سوري ولكنه يشبه الأوروبي بمدارسه وتقنياته إلا أن الروح مختلفة تماماً وهذا هو المطلوب، بمعنى، علينا أن نطور موسيقانا مع الحفاظ على شرقيتنا وخصوصيتنا. ‏ إحدى الميزات الموسيقا العربية التي نفتخر بها حيث تخاطب الأحاسيس وربما العقل أكثر من الموسيقا الغربية..؟ ‏ وأيضاً الموسيقا الشعبية الغربية التي تقابل الموسيقا الشرقية الشعبية تخاطب الأحاسيس والمشاعر الخاصة بالشعب نفسه، كما الأدب تماماً، فهناك الأدب الكلاسيكي العالمي الذي انتشر بين الشعوب، مثال على ذلك: الأدباء الروس (دوستويفسكي، تولستوي، تشيخوف، غوغول...) نقرأهم كأدباء عالميين، وبالمقابل هناك رواية روسية شعبية لا يبالي بها أحد خارج حدود روسيا، وهذا ينطبق على الموسيقا كما على كل الفنون. ‏ ما أقصده بأنه يوجد موسيقا شعبية لكل الشعوب وهي ليست الكلاسيكية التي نسمعها ونقدمها، والتي يجب أن نمتلكها نحن أيضاً، لأنها تحمل الفلسفة والفكر والعقل أي منطقية يسمعها كل العالم. ‏ وفي سورية أصبح لدينا موسيقا معاصرة على يد بعض المؤلفين الشباب ولكن اتجاههم غربي تماماً.. ما رأيك..؟ ‏ بالعكس، ما يقوم به الشباب اليوم هو شرقي بحت، ولا نستطيع أن نسميه غير ذلك. ‏ الشرقية لا ترتبط بالمقام ‏ ما أقصده أن أغلب الأعمال الموسيقية المعاصرة عندنا تعتمد على الآلات الغربية..؟ ‏ العمل الشرقي لا يقاس بالآلات ولكن بطريقة كتابتها وشخصيتها وروحها، ولا يمكن أن نعتبر عملاً دخلت فيه آلة شرقية بأنه عمل شرقي والعكس صحيح، وهناك من يقول بأن عملاً ما ليس شرقياً لعدم احتوائه المقام، وهذا خطأ أيضاً، فالشرقية برأيي لا ترتبط بالمقام فقط فمثلاً إذا تكلم شخص سوري بعدة لغات مختلفة ذلك لن يغير في انتمائه وآرائه وكونه سورياً على العكس فإنه سيصبح قادراً على إيصال صوته للعالم من حوله. على كلٍ هناك تساؤلات كثيرة وجدل حول هذا الموضوع والمشكلة تتعلق بالعاملين في هذه الموسيقا الذين لا يعرّفون الموسيقا الشرقية كما يجب، ولا يميزونها عن غيرها من الموسيقات. ‏ كيف سنحافظ على آلاتنا التقليدية بالوقت نفسه نطوّر موسيقانا..؟ ‏ إن سورية غنية بالآثار التي تثبت حضارتها ولكن لا يمكن أن نتخيل في عصرنا هذا أشخاص يسكنون في بيوت بصرى مثلاً وكذلك الموسيقا فهي مرآة لتطور الإنسان والمجتمع وإذا لم تواكب العصر الذي نعيشه ستفقد مصداقيتها كفن إنساني. من الضروري جداً أن نحافظ على العنصر الشعبي لدينا لأنه مرتبط بتاريخنا وتراثنا وهو ما يميزنا عن غيرنا، ولكن يجب أن نساهم بشيء آخر ونطور موسيقانا، الآلات الشعبية موجودة في كل البلدان، ولكن لديهم آلاتهم المتطورة أيضاً، وللأسف لا أحد يعمل على تطوير آلاتنا وبقيت كما هي، وإلى الآن لا توجد محاولات لإعادة صناعتها بالمواد الجديدة لتقوية صوتها، فحتى اليوم لا نجد دراسة لصناعة العود على أفضل وجه، فلابد من وضع دراسة منهجية وفيزيائية في القياسات ونوعية الخشب وعلاقة الآلات ببعضها، الأمر الذي يحتاج تحقيقه إلى دراسات وأبحاث وجهد أشخاص ووقت طويل. ‏ ‏