2012/07/04
بعد "الاجتياح - هدوء نسبي - متخافوش" جريدة الوفد المصرية
تعكس الأعمال الدرامية حال المجتمعات وتعكس ثقافتهم.. والدراما نجدها في نفوسنا احيانا وفي نفوس الآخرين أحيانا كثيرة.. ولكن إلي اي مدي تعبر الأعمال الدرامية بصدق عن الحقائق وإلي أي مدي تستطيع اختراق المحاذير والقيود. الواقع الحالي يؤكد ان الانظمة السياسية تقف ضد حرية الدراما العربية وتحاول دائما أن تجبر صناعها علي البقاء في بيت الطاعة.. وأكبر دليل علي ذلك ما حدث مع مسلسل "الاجتياح" للمخرج شوقي الماجري والذي أدارت له الفضائيات العربية ظهرها ورفضت عرضه ما عدا قناة "L,B.C" اللبنانية.. الغريب والمدهش أن هذا المسلسل عندما شارك في مسابقة عالمية فاز بجائزة إيمي وهي جائزة لا تقل عن "الاوسكار"، وهنا التفت اصحاب الفضائيات الي قيمة العمل ولكن قيمة العمل ضاعت وأهدرت بسبب الحسابات السياسية فالعمل بطولة الفنان منذر الرياحنة والذي جسد فيه دور مصطفي أحد رجالات المقاومة الفلسطينية والذي ينقذ ورفاقه فتاتين من حادث سيارة وهي "مريم" فتاة عربية و"يائيل" اليهودية حيث تنشأ بينها وبين مصطفي قصة حب تتقاطع فيها الظروف العامة والخاصة والحرب والحب والتي تعتبر واحدة من قصص الحب التي بقيت محفوظة علي مدار الزمان تداعب الخيال وقيم الخير والجمال.. إلي أن يقوم الملازم بالجيش الاسرائيلي وهو شقيق "يائيل" اليهودية باعدام مصطفي أمام منزل عائلته الذي هجروه عام 1948. "الاجتياح" يقترب من معاناة الشعب الفلسطيني ويكشف حقيقة العدو الاسرائيلي الغاصب بكل جرأة وحرية.. وربما العديد من الأنظمة السياسية رفضت عرضه لأنه يقول بملء الصوت ما هو كامن في صدور الشعوب العربية التي يملأها الغيظ والكراهية تجاه العدو الذي اغتصب الارض والعرض وسمح بشلالات الدم تجري في كل شبر علي الارض العربية. واستمراراً لحالة الخوف الرسائل الكامنة في الاعمال الدرامية رفض التليفزيون المصري عرض مسلسل "متخافوش" بطولة نور الشريف واخراج يوسف شرف الدين بسبب هجومه بشكل مباشر علي هذا الكيان الصهيوني، وكانت القصة تدور حول الفرق بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة استعمارية هدامة.. وذلك من خلال جد بطل العمل صاحب الاصل اليهودي.. وعلي الرغم من شراء قطاع الانتاج مسلسل "متخافوش" بمبلغ قدره 13 مليون جنيه تم رفعه من خريطة العرض وطاله أيضا مقص الرقيب الأمر الذي أفقده جزءا كبيرا من حيويته وشوه رسالته.. المدهش انه في الوقت الذي تعامل فيه التليفزيون المصري مع المسلسل بحذر وتربص بمضمون رسالته قامت فضائيات عربية اخري بعرضه بشكل صريح ودون أي محذوفات. وقد تعرض مسلسل "هدوء نسبي" لمقص الرقيب ايضا ولم يعرض إلا علي عدد قليل من الفضائيات العربية رغم أنه مسلسل متميز من حيث الموضوع ومستوي أداء الممثلين.. تدور أحداث "هدوء نسبي" في أبريل 2003 ويتعرض بشكل مباشر لحال العراقيين عندما سقطت بغداد في يد العدو الامريكي ويغوص "هدوء نسبي" في حال العراق من خلال المراسلين الصحفيين الذين دفعهم الواجب لتغطية أحداث الغزو وتقديمها للعالم، وتري في المسلسل امرأة تقص شعرها الطويل حزنا علي بلدها الذي فقد حريته وعذريته علي يد النظام الأمريكي المستبد، وتري أيضا رجلا فقد عقله من جراء التعذيب في السجون العراقية.. كل هذه الأحداث وغيرها واقعية وليست من نتاج خيال ومع ذلك تجد الفضائيات العربية تتربص بهذا المسلسل ولاتسمح بعرضه إلا بعد أن ينال منه مقص الرقيب.. "هدوء نسبي" يعد من الأعمال الجادة ولقد نجح الممثلون وفي مقدمتهم عابد الفهد ونيللي كريم في التعبير عن أوجاع العراقيين ورصد المأساة بكامل تفاصيلها. اذا كانت الدراما مرآة للواقع.. فهي لن تعكس هذا الواقع الا إذا كانت الحرية متوافرة وسقف الابداع عالياً ويسمح بمرور الحقيقة، إن العدو الاسرائيلي يسعي لتشويه العرب من خلال أفلام رسوم كارتونية والحكومة الاسرائيلية تشجع علي ذلك والأنظمة العربية مازالت تصادر أفكار المبدعين العرب وتحذف الانتقادات الحقيقية وكأنها تتبني خطة ومنهجا واحدا هدفها اجبار صناع الدراما العربية علي حبس انفاسهم ودخول بيت الطاعة. صفوت الدسوقي