أما اليوم، فلم تعد فكرة الاستمرار لأجل إعلان البقاء أو الصمود برّاقة، طالما أنّ درامانا تجاوزت مرحلة المراوحة في المكان، نحو المزيد من التدهور، وتراجع السويّة شكلاً ومضموناً بصورةٍ كارثية.
عن أي دراما سوريّة نتحدث اليوم، وقد حاصرت الخيبة مشاهديها وصنّاعها وأكثر المدافعين عنها حماسةً؟!
أياّمٌ قليلة تلت انطلاقة موسم العروض الرمضانية، كانت كفيلةً بتأكيد كل ذلك، فمن وعد نفسه بـ «ألف شمسٍ ساطعة»؛ وقع تحت وطأة الذاكرة الثقيلة، لـ «أيّامٍ لا تنسى» يحمله إليها صوت مغنيّة الشارة ميّادة بسيليس، ينكأ الحنين لأمجاد دراما التسعينيات، بتوقيع أيمن زيدان الذي لم يعد اسمه فقط كافياً اليوم لعرض عملٍ سوري على المحطّات العربية الكبرى، بعدما ساهم في صناعة وانتشار أعمالٍ تلفزيونية شكّلت جزءاً كبيراً من هويتنا البصرية، رغم الجهد المبذول في تجربته الإخراجية الرابعة على صعيد الصورة، والاعتناء بالتفاصيل، وأداء الممثلين، لتقديم مادّةٍ راقيّة، تختلف عن السائد الرديء.
ومَن كان يترقبّ جديد أحد نجومه الأثيرين بسّام كوسا؛ شاهده يكرر ذاته مجدداً، ليشارك هذا الموسم في لعبة «دومينو» كارتونيّة، تتساقط أحجارها في وجه ذاكرتنا. موسمٌ شهدنا فيه أيضاً تكريس الاستباحة لأساسيات صناعة العمل التلفزيوني، والإمعان بالاستخفاف في جهد الآخرين، كتّاباً، وممثلين، وجهة منتجة، بحجّة البحث عن «لقمة العيش»، لنقف أمام عملٍ يضع أكثر من خطٍ «أحمر» كعلاماتٍ تؤشّر لما وصلنا إليه من انحدار.
واستسلمنا لفكرة لي عنق التاريخ، والاتكاء على مفردات موروثٍ شعبي افتراضي، من أجل صناعة طبقٍ تلفزيوني رمضاني، قابل للتسويق، نزولاً عند رغبة المعلن الخليجي، وإذا بنا نفتح باباً للحارة أصبح قدراً يطاردنا، ويحاصرنا، نهرب منه إليه، ونعيد استنساخه كل عام، بصورٍ أكثر بؤساً ورداءة، ونمضي قدماً بالضحك على أنفسنا في مجاراة حيلٍ تسويقية جديدة، تحاول إقناعنا بأنّ فنّاناً لبنانياً أو أكثر من نجوم «البان آراب» سيرفعون قيمة «عملِ شامي»!
أما تفاؤلنا بغنى البيئة وفرادة شخصيّات تتناولها حكاية تلفزيونية تتنبأ بـ «الزوال»؛ فذهب أدراج الرياح أمام الغرق في بطء الإيقاع، وتفكك الحبكة، والافتقار لمعالجة درامية ناضجة، رغم الأداء المميز لبعض نجوم العمل (شكران مرتجى، وناظلي الرواس مثالاً)، لكنّ يداً واحدة لا تصفّق، والجبل الذي أغوانا الفضول لدخول عوالمه، استحال مانعٍاً ثقيلاً دون تلقٍّ شيّق.
وبينما كنّا لا نعرف «نبتدي منين الحكاية»، أصبحنا في حيرةٍ من أمرنا كيف يمكن أن ننهيها؟ فما شاهدناه ليس إلّا فصلاً جديداً من حواراتٍ ممتدة، يشوبها تكرار المقولات ذاتها وبأداءٍ متكلف، لبطلين لم يكونا مقنعين كحبيبين، تدور قصّة حبّهما في فلك الطبقة الوسطى ذاتها؟!
وصار مدى تأثير «بقعة ضوء» بموسمه الثاني عشر؛ أقلّ من «ليد» يعمل ببطاريّة شاحنها بات يعاني العطب، ليتحوّل إلى دروسٍ تلقينية ساذجة، فشلت قطبها المخفية في تلمّس بصيص أمل، وأصبحنا «طواريد» نستجدي الابتسامة من كوميديا ثقيلة الظل، لم يخفف من وطأة ثقلها خفّة تهريج «سليمو» في رحلة بحثه عن «حريمو».
وما كان أمامنا إلّا ترقب جهود روائي سوري معروف، بترقيع نص مسلسل مستوحى من روايةٍ عالمية، وتحفةٍ سينمائية خالدة، لكي يرى العمل النور بموسمه الثاني «تحت الحزام»، بعد خلاف الشركة المنتجة مع كاتب الجزء الأوّل، كأنّ لا أفكار جديدة في مخيّلة كتّاب البلاد أو لا رواياتٍ في مكتبات هذه المدينة!
«قلبي علينا»؛ أنّ موقع أسماء نجوم الدراما السوريّة على تترات أعمالهم، ما زالت تشغل بالهم أكثر من جودة نتاجهم، في حين أنّ أحد أنجح أعمال دراما المحروسة، كتب أسماء الممثلين الرئيسيين حسب ترتيب الظهور في الحلقة الواحدة.
واسم «سوريانا» رغم غزارة الإنتاج؛ بات الحلقة الأضعف تسويقياً في أروقة المحطّات العربية، والقطاع العام أصبح منافساً سلبياً للقطاع الخاص، في بازارات التسويق المخزية، بدلاً من أن يكون الداعم الأقوى لهذه الصناعة، التي باتت تحتاج إلى صومٍ كبير يعيد ترتيب أولوياتها، وتخليص جسدها من السموم.