2015/11/09
السفير - سوسن سلمان
المكان: دمشق
الزمان: الثلاثاء الساعة الثانية عشرة ظهراً
الحدث: حكم العدالة
ليس ذلك مشهداً من قلب قصر العدل في العاصمة السوريّة، بل جزء من حياة المواطنين السوريين الذين يتابعون المسلسل الإذاعي «حكم العدالة». عندما تدقّ الساعة تكتم الأنفاس بشكل كامل، وعند الضرورة يكون الحديث بلغة الإشارة، ليرتفع صوت المذياع معلناً بدء حلقة جديدة، من إنتاج دائرة التمثيليات في «إذاعة دمشق».
البرنامج الذي بدأ بثه في العام 1977، قانوني اجتماعي، يقدم حلقاته في قالب درامي مشوّق، يندرج تحت قائمة المسلسلات الإذاعية البوليسية، وقد فاز بجوائز عدّة، من بينها أفضل عمل ومسلسل بوليسي إذاعي عربي. ساهمت تداعيات الحرب منذ العام 2011 بالعودة إليه، إذ إنّ انقطاع التيار الكهربائي المتكرر أعاد الحياة إلى الدراما الإذاعية على نحو لافت.
«حكم العدالة» ليس المسلسل الإذاعي الوحيد، بل هو من ضمن مجموعة أعمال كثيرة، تحظى بشعبيّة ونسب استماع عالية، منها «ظواهر مندهشة»، و «حكواتي الفن»، بالإضافة إلى ما يذاع من أعمال أدبية وروايات للكاتبة نهلة السوسو من إخراج ثراء دبسي. ولكن يبقى «حكم العدالة» البرنامج الأكثر شهرة بسبب استمرار عرضه على مدى سنوات طويلة، وهو من تأليف المحامي الراحل هائل اليوسفي، ومواضيعه متسوحاة من القضايا التي تولاها بنفسه، أو من ملفات القضاء السوري.
في هذا السياق، يقول رئيس دائرة التمثيليات في «إذاعة دمشق» حسن حناوي لـ «السفير» إنّ المواطنين عادوا إلى متابعة البرامج الإذاعيّة في الفترة الأخيرة، بسبب عوامل كثيرة، أبرزها الانقطاع المستمر للكهرباء. ويلفت إلى أنّ الشريحة الأكبر التي تستهدفها الدراما الإذاعية هي السائقين وربات المنازل، ويضيف: «الراديو هو رفيق المواطنين في ساعات النهار حيث لا وقت لهم لمتابعة التلفزيون».
يعرب حناوي عن فخره بالدراما الإذاعية السورية، ويوضح أن الإذاعة طورت في الأسلوب والنص، بالإضافة إلى الموسيقى والديكور في الأستوديوهات، ويضيف: «في ظل الأزمة الحالية عملنا على أن تحاكي برامجنا الواقع، جزء من الدراما الإذاعية تقوم على التوعية، فهي رافعة أساسية لعدد من القضايا السياسية والاجتماعية، مع المتعة والفائدة توجه رسالة توعية». ويؤكِّد أنَّ هامش الحريّة في الإذاعة أكبر من التلفزيون، ويشير إلى أن الممثلين يحبونها لا بقصد الأجور أو الشهرة إنما بغرض المتعة.
يمثل حناوي «إذاعة دمشق» في أغلب المهرجانات الإذاعيّة العربيّة، ويشدِّد على أن الدراما الإذاعية في سوريا عريقة جداً، ويلفت إلى العمل المستمر على تطويرها، ويتابع: «لها كوادرها من الفنانين الذين عشقوا المايك فكانت الثقة بيننا وبين المستمع».
من جانبه، يروي الممثل تيسير إدريس، في حديث لـ«السفير»، تجربته الواسعة في الدراما السورية الإذاعية، إذ إنّه التحق مطلع السبعينيات من القرن المنصرم، بمسارح المخيمات الفلسطينية ودمشق، ليقدّم أدواراً تعبّر عن مأساة الشعب الفلسطيني، متحدِّثاً عن المقاومة وأعمالها البطوليّة، حيث أبدع بتجسيد شخصيّة عدوّه مؤسِّس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل.
ويشير إدريس إلى أن العامل الأساس في العمل الإذاعي هو الحب، حيث لا مردود مالياً يعوَّل عليه، لكن المتعة تكمن في قدرة الممثل على جعل المستمع يتخيل المشهد من دون أن يشاهده كما هو الحال في التلفزيون. ويضيف: «الإبداع هو بأنَّ تجعل من الصوت صورة كاملة، ليس كل فنان قادراً على القيام بهذه المهمة، لأنَّ الإذاعة لها عالمها الخاص». ويوضح أن الاختلاف بين التلفزيون والراديو، أنه في الأول يكون التعبير عبر الصوت والصورة، أما في الثاني فمن خلال الصوت يترتب على الممثل إيصال المشهد إلى المستمعين.
ويشدد إدريس على أن هذا العمل صعب، لكنّه يؤكد في المقابل أنه ممتع جداً، ويلفت إلى أنه «في السابق كان أكثر متابعة، لكن اليوم المنافسة مع الفيديو صعبة جداً، فالزمن يتبدل مع تطور التكنولوجيا، وهذا أمر سيئ». إلا أنه يرى أن الدراما الإذاعية السورية هي الوحيدة التي حافظت على وجودها على مستوى العالم العربي، «هي واقعية وقريبة من المواطن، لكن المشكلة تكمن في غياب الدعاية والترويج، وهذا ظلم بحقها وحق العاملين فيها، فالتسويق عامل أساسي في المجالات كافة». التحدي الأول بالنسبة إلى إدريس هو «المتعة وإدهاش المتلقي»، ويؤكّد أنّ مهمّته «إقناع المستمع بأنه يراه أمامه».
في السنوات الأخيرة، تحديداً قبل بداية الحرب، كان أغلب المراقبين يُجمِعون على نجاح الدراما السورية التلفزيونية في حجز موقع لافت لها. لكنّ الدراما على المستوى الإذاعي عمرها من عمر إذاعة دمشق، حيث شكلت في هذا المجال رقماً صعباً، فهل تنجح في العودة من جديد إلى مرحلة العصر الذهبي؟