2015/07/21
الأخبار - وسام كنعان - محمد عبد الرحمن
في رمضان 2015، قدّمت الدراما المصرية والسورية أعمالاً مهمة ولو أنّ بعضها ظُلم في زحمة العرض وتفضيلات القنوات الفضائية. لذا، لا تفوّتوا إعادة مسلسلات كـ«تحت السيطرة»، و«بين السرايات». أما «غداً نلتقي»، فيحتلّ مكانته بوصفه أهم مسلسل عن سوريا ما بعد الزلزال حتى الآن!
مُدمنة... نجاح!
انتصرت الممثلة المصرية نيللي كريم (الصورة) مجدداً عبر «تحت السيطرة»، ثالث تعاوناتها مع السينارست مريم نعوم. هي أكدت حسن اختيارها للأدوار الصعبة، ونجحت من دون المخرجة كاملة أبو ذكرى. تامر محسن مخرج «تحت السيطرة» قدّم أحد أقوى الأعمال هذا العام. يتمحور المسلسل حول «مريم» التي تعود إلى الإدمان وتنهار حياتها مع زوجها «حاتم» (ظافر العابدين). يستمر النزاع المعقّد وسط متابعة الجمهور الذي لم يستجب لدعوات مقاطعة المسلسل بحجة تشجيعه على الإدمان. على خط موازٍ، تسير قصص إدمان أخرى، ويكشف المسلسل حجم التفكّك في بعض العائلات المصرية.
كما يكشف أنّ الناس يفضلون الأعمال الاجتماعية المنحازة إلى فن الدراما من دون الحاجة إلى كوميديا في غير محلها، أو لاستغلال السياسة لإثارة الجدل. ساعد «تحت السيطرة» في إظهار عدد كبير من الممثلين مثل أحمد وفيق، وهاني عادل، ولؤي عمران، ورانيا شاهين، وأعاد طرح قضية الإدمان، رافعاً نيللي كريم درجات في قائمة أبرز ممثلات الجيل.
صنعة وروح جماعية
يعود نجاح مسلسل «بعد البداية» إلى اجتهاد صنّاعه في التحضير بعيداً عن الضغوط. رغم أنّه البطولة الأولى لطارق لطفي (في دور الصحافي عمر نصر) الذي بدأ مشواره قبل 20 عاماً، عمل الممثل بأسلوب فريق العمل ولم يمارس أي ضغوط على زملائه. تلك الروح الجماعية وصلت إلى الجمهور سريعاً، فشعر أنّه أمام عمل يستحق صنّاعه المكافأة على جهدهم. وهناك صنعة السينارست عمرو سمير عاطف الذي يجيد كتابة دراما التشويق. إنّها قصة جديدة تماماً تدور في كواليس الصحافة والسياسية والأمن ومستوحاة من وقائع عرفها المصريون بعد “ثورة يناير”. في أولى تجاربه التلفزيونية، نجح المخرج أحمد خالد موسى في دفع المتفرّج إلى المتابعة وتحويل صدمات ومفاجآت المؤلف إلى صورة تستحق اللهاث وراءها. ساعد في ذلك عرض المسلسل على قنوات عدّة. بدوره، قدّم فاروق الفيشاوي دوراً لافتاً، فيما أظهرت التونسية درّة تطوّراً إضافياً في الأداء. وأدّى خالد سليم شخصية الضابط الفاسد بطريقة جيّدة، ومعه بيومي فؤاد في شخصية المحامي غير النزيه.
صاحب قضية
لم يحصل مسلسل «بين السرايات» على حقه في نسب المشاهدة، نظراً إلى عرضه حصرياً عبر «الحياة» وإحدى قنوات «التلفزيون المصري». لكن متابعيه أجمعوا على أنّه يحمل قضية، وهي ميزة تفتقدها معظم مسلسلات رمضان 2015. يكشف «بين السرايات» للمرّة الأولى أسباب انهيار التعليم الجامعي عبر ما يجري في مكتبات حي «بين السرايات» الملاصق لـ«جامعة القاهرة». السينارست أحمد عبد الله والمخرج سامح عبد العزيز مع عدد كبير من الممثلين نجحوا في إعادة تجسيد الحي على الشاشة بملامح تقترب من الواقع، ليستفيد المسلسل أوّلاً من كونه يناقش هذه القضية المهمة، ومن حشد المنتج جمال العدل لمجموعة من أبرز الممثلين كباسم سمرة، وصبري فواز، وسيمون، وسيد رجب، ومحمد شاهين، وآيتن عامر، ونسرين أمين. حثّ ذلك المشاهد على متابعة تقلبات الشخصيات والمفاجآت الدرامية التي صيغت بخفة دم. بعد رمضان، سيعوض «بين السرايات» تراجع نسب المشاهدة بعدما وضعه كثيرون على قائمة أولويات المشاهدة في العروض المقبلة.
وجه الشام الحقيقي
غرقت الدراما السورية منذ فترة طويلة في موجة استنتساخ منفّرة تحت عنوان مجازي هو «الدراما الشامية». مفردات هذا النوع من الدراما مبالغ فيها ولا تمت إلى الشام بصلة إلا من حيث الشكل الذي صُنّع حكائياً بأسلوب فانتازي علّه يتناسب مع رغبة الجمهور. لكن في المقابل، هناك من قرّر مجابهة هذه الموجة الدارجة بإنجاز أعمال توثيقية عن تاريخ دمشق بشكل حقيقي. ولعلّ النجم عباس النوري وزوجته عنود الخالد أكثر من ساهم في تكريس هذا الشكل عبر أعمال مثل «أولاد القيمرية» و«طالع الفضة».
في هذا الموسم، قدّمت الخالد حكاية شامية هي «حرائر» (إخراج باسل الخطيب) حول نسوة عايشن الاحتلال العثماني، وقارعن الاحتلال الفرنسي، بعيداً عن الرواسب المجتمعية المتخلّفة. وتميّز العمل أيضاً بأداء ممثليه أيمن زيدان، وسلاف فواخرجي، وحلا رجب، ونورا رحّال، إضافة إلى إضاءات صائبة على حركات ثقافية بدأت يومها، وطقوس الأسرة الأرستقراطية المحافظة التي تمثل نموذجاً دمشقياً ساطعاً وموجوداً حتى اليوم.
أبو عليا و«الحرس القديم»
حققت إحدى نسختي «العرّاب» المتلفزتين نجاحاً محدوداً رغم الهفوات التي لاحقته بعدما انطلق كاتبه رافي وهبي من فرضية العائلات المافيوية المتسلطة وأسقطها على الشأن السوري، فخرج بنص قوامه عائلة «أبو عليا». من خلال هذه العائلة، نشاهد كواليس أُسر تتحكّم بالاقتصاد السوري. يشعر المشاهد أنّ نجم العمل جمال سليمان مزج في «نادي الشرق» شخصيات «الحرس القديم» التي خبرها عن قرب، ليستخرج منها «أبو عليا». تغرق الحوارات في بعض التنظير والاستطراد، لكن المسلسل ترك مساحة للتأويل والدخول في عمق المشكلة السورية، بدءاً من اسمه «نادي الشرق» الذي يدل على هذا الشرق ومشكلاته، وعلى عالم المقامرة الذي يرفض «أبو عليا» خوضه. رغم موهبته وحرفتيه، كان المخرج حاتم علي مجبراً على خيار اعتمده في «قلم حمرة» (2014) لناحية الكوادر الضيقة والحدث المحدود بسبب التصوير خارج سوريا، محاولاً إقناع المشاهد بأنّ القصة تدور في الساحل والشام.
تحية | دراما الجرح السوري
غيّر مسلسل «غداً نلتقي» (إخراج رامي حنا الذي تشارك الكتابة مع إياد أبو الشامات) قواعد اللعبة (الأخبار 16/7/2015). بعدما كانت تتجه قافلة الدراما نحو تكريس انهيارنا الأخلاقي والمعنوي، وقف حنا ليقول مهلاً! فمفهوم الترفيه الفضفاض الذي تقدَّم بذريعته الدراما السطحية، يُحتمل أن يوضع في مكانه الصحيح من خلال قصة تسير في محاذاة الجرح السوري، وتلتقط نماذج هُجّرت بطريقة قسرية إلى بيروت، تمهيداً لركوب قوارب الموت والمغامرة في عرض البحر بحثاً عن وطن بدل ضائع! بأسلوب رمزي، يلعب المخرج السوري على شخصيّاته، ويترك فرصة لمتابعه ليُسقط شخصيات العمل على نماذج وشرائح أوسع، حتى نشعر بأنّ المقصود بـ «وردة» (كاريس بشار) مغسلة الأموات النبيلة هو سوريا الجريحة التي تستمر رغم احتراق البيت بمن فيه، غير أنّها تعيش في وحدة وغربة مدمية. حقق العمل نجاحاً استثنائياً وقبولاً واسعاً لم تعرفه الدراما السورية منذ نصف عقد من الزمن، وأثبت أنّ الدراما السورية ليست كذبة، أو طفرة فات أوانها.