2015/06/29
السفير - نينار الخطيب
في حوار سابق مع «السفير»، قال الكاتب نجيب نصير إنّه وضع سيناريو مسلسل «تشيللو» كي لا «يشعر بالبطالة». لم يهرب في ردّه ذلك من «موقف محرج» وضعه فيه المسلسل المقتبس عن الفيلم الأميركي «عرض غير لائق» (1993) للمخرج أدريان لين. فمع دخول شهر رمضان ثلثه الثاني، يبدو واضحاً من تتالي الحلقات أنّ «تشيللو» ليس مجرّد «اقتباس»، بل نسخة مطوّلة ومعرّبة من الفيلم الأصلي، تماماً كما كان «لو» (سيناريو بلال شحادات، إخراج سامر البرقاوي) العام الماضي، و «لعبة الموت» (سيناريو ريم حنا، إخراج الليث حجو والبرقاوي) قبل عامين.
وبالرغم من أنّ العمل يعدّ من بين أكثر المسلسلات إقناعاً وتماسكاً لهذا العام، إلا أنّ سؤال حدود الاقتباس يبقى ملحّاً، بدءاً من التفاصيل الصغيرة، وصولاً إلى الخطوط العريضة. على الرغم من عدم انتهاء عرض المسلسل كاملاً بشكل يتيح تقييمه، إلا أنّ هناك أمراً بالإمكان الجزم فيه، وهو الاستنساخ شبه الحرفيّ لملامح الشخصيّات، وردود أفعالها.
فالممثل تيم حسن الذي يؤدّي دور المليونير تيمور تاج الدين في «تشيللو»، اقتبس الكثير من أداء الممثل الأميركي روبرت ريدفورد لشخصيّة المليونير جون كايج، بدءاً من أسلوب اللباس، وصولاً إلى الابتسامة. كذلك ظهرت كل من ياسمين (نادين نجيم) وآدم (يوسف الخال) كصورة مطابقة عن الثنائي ديانا (ديمي مور) ودايفد (وودي هارلسن)، لناحية تفاصيل حياتهما الزوجيّة، ومستواهما المادّي، وإيمانهما بأنّ الحبّ إجابة عن كلّ الأسئلة.
تفترق الخطوط العريضة للقصّة؛ ففي الفيلم الأميركي، ينهار حلم الزوجين ببناء منزل عمرهما نتيجة خسارتهما لكلّ مدخراتهما بعد زيارة لأحد كازينوهات لاس فيغاس. أمّا في المسلسل العربي، يخسر البطلان الموسيقيّان أموالهما بفعل حريق يقضي على مشروع عمرهما. هنا تلتقي التفاصيل، إذ يعيش الثنائي في الأصل والاقتباس تحت وطأة ضغوط المصرف، ما يؤثّر على علاقتهما، ليدخل المليونير على الخطّ، ويقدّم لهما عرضاً غير لائق يغيّر حياتهما إلى الأبد.
يضيف الكاتب في النسخة العربيّة شخصيّات رديفة عدّة، يخلق ماضياً للشخصيّات، ويزيد التشابك في علاقاتها، ويضعها في سياق عربيّ. كذلك يعوّل المخرج كثيراً على الفضاء المكاني البيروتيّ، ويفرد له مساحةً واسعةً من الصورة. إلّا أنّ الاقتباسات من الفيلم الأساسي، تصل حدّ استعارة جمل أو مشاهد بحذافيرها.
فكما في الفيلم الأصلي، يتمّ اللقاء بين ياسمين وتيمور على يخت. وكما في الفيلم الأصلي، يشتري تيمور لها فستاناً تخيّل أنّه سيكون لائقاً عليها. ويترجم المسلسل العربي بعض الحوارات، كما حين يصرّ المليونير على أنّ المال يمكن أن يشتري كلّ شيء، فتردّ عليه ياسمين/ ديانا، بأنّ المال لا يستطيع شراء المشاعر.
كما ينسخ المخرج مشهد الرقصة بين البطلين ديانا/ ودايفد، إذ يغمر البطلان العاشقان بعضهما، ويطيلان النظر في عيون بعضهما البعض، في وقت يتأمّلهما المليونير من بعيد. كما تمّت جملة «هل بإمكاني أن أستعير زوجتك»، الواردة على لسان جون كايج، لترد على لسان شخصيّة كارمن لبّس التي تطلب من ياسمين استعارة زوجها.
يغيب عالم الكازينوهات الحاضر في الفيلم الأميركي، ليصير في المسلسل العربي ديكوراً شبيهاً بالمسلسلات التركيّة، حيث فخامة الأثاث وبهرجة الملابس والبذخ على التفاصيل. لكن تحضر أيضاً سطوة المال بقوّة، وتطغى الشجارات ذاتها على يوميّات الزوجين، حين يدخل الشكّ بينهما. وللمفارقة، فكما أنّ ديانا ودايفد يتشاجران في معظم الأحيان خلال تناولهما الطعام، كذلك يحصل الأمر ذاته بين ياسمين وآدم. ولكن بالطبع، يخفّف العمل العربي من بعض التفاصيل التي قد تعدّ «صادمة»، مثل موافقة دايان على ممارسة الجنس مع جون، ويحافظ على صورة ياسمين عفيفة ووفيّة لزوجها.
لا شكّ أنّ أبطال «تشيللو» أتقنوا أدوارهم إلى درجة كبيرة، وإن فشلوا في إضافة روح جديدة على الشخصيّات الأصليّة. كما أنّ المخرج نجح في تقديم صورة نقيّة، تتناغم مع الموسيقى التصويريّة، وأفرد مساحات واسعة للمشاهد الصامتة، ما خدم إيقاع العمل... إلا أن ثمة الكثير من التساؤلات التي يثيرها هذا الاقتباس، وما سبقه من اقتباسات، وما قد يليه، عن أسباب الركض وراء السينما الهوليودية والاستعانة بها لخلق أعمال درامية عربيّة.
فهل نضب المخزون الإبداعي العربي، أم أنّ القضايا التي ناقشتها السينما الأميركية قبل عشرين عاماً، باتت تناسب المتلقي العربي اليوم؟ أم أنّ الأمر مجرّد موضة حان وقتها، حالها كحال سابقتها من أعمال تاريخية، وبيئة شاميّة، وأخرى فانتازيّة، ومكسيكيّة، وتركيّة؟ يبقى أن ننتظر نهاية «تشيللو»، لنعرف ما إذا كان سيتخذ مساراً مختلفاً عن الفيلم الأميركي، خصوصاً أنّ الاقتباسات السابقة اختارت نهاياتها المختلفة عن الأصل.