2015/05/08
السفير - روز سليمان
قرارات الرقابة المفاجِئة، تقليدٌ «اعتاد» عليه صنّاع الدراما السوريّة. يمكن أن تُحذَف مشاهد من أيّ عمل بعد تصويره، أو أن يُرفض النصّ ويوأد وهو لا يزال على الورق. لكن ما معنى أن تتمّ الموافقة على عمل مثل «عناية مشددة» من قبل لجنة قراءة النصوص، ويتمّ تصويره بالكامل في دمشق، ثمّ يمنع من العرض؟ المسلسل من كتابة علي وجيه ويامن الحجلي، وإخراج أحمد ابراهيم أحمد، ويشارك عباس النوري، وأيمن رضا، ومهيار خضّور، وسليم صبري، وأمانة والي، وآخرون في بطولته.
يعدّ «عناية مشدّدة» من أكثر الأعمال المرتقب عرضها خلال شهر رمضان المقبل، حتّى أنّ الشركة المنتجة «قبنض» أعلنت أنّها بصدد دبلجته إلى اللغة الروسيّة. كما سجّل المغنّي اللبناني آدم شارة المقدّمة الخاصّة بالعمل، وانتشرت بكثافة على مواقع التواصل لدى إصدارها قبل أشهر. ولكن كلّ ذلك لم يمنع تقرير الرقابة التلفزيونيّة من تصنيف العمل «ممنوعاً من العرض»، بحسب ما أفادت تقارير إعلاميّة.
في تعليق على قرار منع «عناية مشدّدة» قالت مصادر رقابيّة لـ «السفير» إنّ «الاعتراض على التوجّه العام للمسلسل وعلى محاور شخصياته بالكامل»، من دون الخوض في التفاصيل.
لا يبدو الأمر أكثر من «مزاج» يحكم العمل الرقابي، ولا يمرّ بأيّ معيار فني إبداعي. يتناول المسلسل واقع المواطن السوري وما آلت إليه أوضاع البلاد خلال الأزمة، وما تشهده من تغييرات اقتصاديّة واجتماعيّة، إلى جانب التركيز على عمليّات الخطف وتجارة الأعضاء والنزوح. لا شكّ أنه يحمل جرأة في بعض خطوطه، وذلك ما لمسناه أثناء زيارة موقع التصوير قبل أشهر، ومن خلال بعض اللقطات الترويجيّة التي بثّت منه. تدور الأحداث بين العامين 2013 و2014، و «لا تركّز حبكته على المسار الميداني للأحداث في سوريا فحسب، بل تظهر تحوّلات المسار النفسي لدى جميع السوريين، من خلال الاعتماد على البطولة الجماعية». وتظهر شخصيّات عدّة بأدوار موظّفين رسميين فاسدين، أو رجال أعمال متاجرين بمآسي الناس في الأزمة.
لا تخلو خطوة المنع من العبثيّة، إذ أنّ «عناية مشدّدة»، وغيره من الأعمال الفنيّة، ستجد طريقها للعرض على شاشات أخرى غير سوريّة من دون شكّ، وستكون متوفّرة لاحقاً على «يوتيوب». فما الفرق بين أن يتابع المشاهد السوري منتجاً فنيّاً على الشاشات المحليّة أو على فضائيّات عربيّة أخرى؟
ليس مسلسل «عناية مشدّدة» أوّل ضحايا مزاجيّة الرقابة، إذ تعرّضت عدّة أعمال لممارسات مماثلة خلال السنوات الماضية. على سبيل المثال، طال مقصّ الرقيب حلقات كاملة من مسلسل «وطن حاف» (تأليف كميل نصراوي، وإخراج فردوس أتاسي ومهنّد قطيش)، ولكن في عرضه الثاني، وبعد مرور عام كامل على العرض الأوّل غير المقتطع!
يستحضر منع «عناية مشدّدة» أسئلة عدّة، قديمة/ جديدة حول معايير الرقابة المزدوجة في سوريا، إذ أنّها تتغاضى عن كمّ كبير من الرداءة، ثمّ تضع شروطاً جاهزة للأفكار «المسموحة أو الممنوعة»، من دون أيّ معايير تقييم جديّة للعمل الفنّي. ولكن كيف نتحدّث عن حصار عربي للدراما السوريّة، والقيود تحيط بها من كلّ جانب على شاشات الوطن؟ وكيف تستمرّ الدراما إن كانت محاصرة بين مقصّين: مقصّ الرقابة الرسميّة السوريّة، ومقصّ شروط القنوات العربيّة؟
يقرّ عدد كبير من صنّاع الدراما السوريّة، أنّ اللعب مع الرقابة، لا عليها، يحتاج إلى ذكاء، لتمرير ما لا يمرّر. لكن ألم يحن الوقت بعد خمس سنوات من الحرب، أن تتغيّر تلك المعادلة، وتصير الأعمال الفنيّة بمأمن من رقابة التخوين ورقابة الإدارة ورقابة القرارات الاعتباطيّة؟