2015/03/31
بوسطة – علي المحمد
منذ اللقطات الأولى لفيلم "الرابعة بتوقيت الفردوس" يجبرك محمد عبد العزيز على إبقاء عينيك مثبتتين على الشاشة الكبيرة، لقطات مبهمة، تبدأ بعدها الرؤيا بالاتساع، مع كل مشهدٍ يعود بالزمن إلى الوراء، بالتوزاي مع تقدّم سير خطوط الحكاية.
قد يبدو ذلك، مربكاً للمشاهد، لكنّه لن يثنيه إطلاقاً عن الاستمرار بالمشاهدة، وكشف ألغاز الشريط الذي أنتجته "المؤسسة العامّة للسينما"، عن نصٍ للمخرج/ المؤلف، واستغرق إنجازه قرابة العام، منها ثمانية أشهر في غرفة المونتاج.
هكذا تنساب قصص الأبطال السبعة، على الشاشة، مشهداً، تلو الآخر، قفزةً بصرية للأمام، ثم عودة إلى الخلف، لنشهد حكاية: "بشير" (محمد آل رشي) الذي يجوب الشوارع بعربة يجرها حصان (طنبر) حاملاً زوجته المريضة (رنا ريشة) مع والده وابنه، بعد أن فقد منزله ونزح إلى العاصمة. "هاني" (سامر عمران) أستاذ في معهد الموسيقا وسجين سياسي سابق. "مايا" (نوار يوسف ) مريضة سرطان في أحد مشافي المدينة، ومجموعة فتيات يرتدين الأبيض استعداداً لأمر غامض. عائلة صغيرة تترك منزلها بعد أن اجتاحت المعارك منطقته.
ورجل آخر( والد مايا ، يؤدي دوره أسعد فضة)؛ يبدو أفضل حالاً ولكنه يحاول الانتحار. وراقصة باليه؛ تستعد لحفلها الراقص عند الساعة الرابعة، وترقب من بعيد جندياً (جوان الخضر) أمام منزلها.
هكذا يرينا محمد عبد العزيز في مختلف القصص القصيرة، لأبطاله أشكالاً مختلفة من المعاناة التي سببتها الحرب، وأحداث حكاياته تبدأ عند الساعة التاسعة صباحاً وتنهي عند الساعة الرابعة.
صاحب "دمشق مع حبي" 2010؛ لا يتّبع القوالب المعتادة في السينما السورية، ويبتعد عن القصص التقليدية في أفلامه، عدا عن تصديّه لكسر تابوهات مجتمعنا، فلأول مرة يتعرّى ممثل سوري أمام كاميراته، ليثير الأسئلة، بعيداً عن اللعب على الغرائز.
في"الرابعة بتوقيت الفردوس" يلجأ صاحب الفيلم، إلى شرط الواقعية، بمحاولةٍ لتوثيق صورة دمشق خلال فترة الحرب كـ "مدينة تملؤها الدشم، وأكياس الرمل، ويجتاحها التصحّر" كما جاء على لسان أحد أبطاله.
العمل يبرز الدمار والموت، بمدينةٍ تعبث فيها الحرب، والموت المجاني بعيداً عن قوالب العزل التقليدية بالشام، وتبدو اللامبالاة وغياب المشاعر بين الناس حالة عامة.
بناء الأحداث وكيفية تداخلها مع بعضها مكّن عبد العزيز من السيطرة على أسلوب السرد المعتاد، فركز على الاستعارة والرمزية لينقل عبرها أفكاره، تاركاً للمشاهد تفسيرها كيفما شاء، حيث يتجنّب تقديم أي أفكار جاهزة له، بل يترك له حرية فهم الفيلم كما يريد.
قد يكون "التجدد والحياة بعد الموت"؛ العنوان الأبرز، والأكثر وضوحاً في نهاية الفيلم، فربما يريد صاحبه القول أن المستقبل سيولد على ناصية الطريق بعد أن تموت أخطاء الماضي.
المشهد الأخير من الفيلم "دائرة كونية فيها ذكر، وأنثى يطفوان على الماء، تفاحة بينهما، وأفعى تتجول بالمكان"، تلك هي اللحظة الكونية الأولى التي حاول عبد العزيز إعادتها ليكمل بها أسطورةً جديدة يحاول خلقها متكئاً على أساطير كثيرة تعجّ بها دمشق.
فيلموغرافيا:
"الرابعة بتوقيت الفردوس" هو الروائي الخامس لمحمد عبد العزيز بعد "نصف ميليغرام نيكوتين"، "دمشق مع حبي"، "ليلى" (لم يعرض بعد) "المهاجران" (بانتظار العرض الرسمي قريباً) وأنجز مؤخراً فيلم "حرائق البنفسج" .
العروض الجماهيرية للفيلم تنطلق في (16/4/2015) بـ "سينما سيتي"، و في (23/4/2015) بسينما "كندي دمر".