الوطن - عامر فؤاد عامر
للحوار مع نجمٍ وصل للعالميّة نكهةٌ خاصّة، فإن تُجمع حروف الإجابة بطريقةٍ تشكّل كلماتٍ غير اعتيادية «هنا يكمن فرحُ المفاجأة» ولاسيما أنّ الأسئلة لها وقعٌ أثير في نفس ضيفنا العزيز، فلن نتحدّث عن أسئلة الدراما، ولا عن أزمة المسرح، ولا إشكاليّات سينمانا، بل للحديث مساحة شفّافة قريبة من روحانيّة «غسان مسعود»، فجاءت حروف أجوبته متناغمة مع صيغة السؤال عن الحالة الفنيّة، وعن لغة كونيّة، وعن صفحة صوفيّة، وغيرها من الإرث الأصيل يعتز به كلّ من طُرب للحن أغنيّة إبداع سوريّة غنيّة قديمة وعريقة عراقة الوجود البشري... مع الفنان «غسان مسعود» كانت هذه الخلاصات:
يصنّف «أفلاطون» الفيلسوف اليوناني، في هرمه شرائح وطبقات الشعب، فيمنح الفنان رأس الهرم أي المرتبة الأولى في المجتمع، وذلك قبل القادة العسكريين وأرباب السياسة والمفكرين... إلخ، إلى أي مدى تتنوع شريحة رأس الهرم في الحياة الفنيّة العربيّة؟ هل تستحق الأسماء المتكاثرة في ارتباطها بصفة الفنّان الدارجة أن تكون ضمن هذه القائمة؟ ما هي المعايير الحقيقيّة للفنان الحقيقي؟
عندما يمجّد أفلاطون الفنّان فإنّه يمجّد الحياة، يمجّد الإنسان، الذي خلقه اللـه على صورته، فعندما يكون الفنّان في قمّة الهرم الاجتماعي إنّما يعني أن هذا الفنان هو حاملٌ مؤتمن لمنظومة القيم الاجتماعيّة والأخلاقيّة والثقافيّة لهذا المجتمع، أو ذاك، من خلال تقديمه «القدوة والمثال» للناس عبر تقديمه خلاصاتٍ لحياة الناس ويوميّاتهم، فرحهم، حزنهم، غضبهم، حكايتهم، معاناتهم... إلخ. والإنسان بطبعه يميل إلى فكرة البطل الذي يرى نفسه فيه، فيتحوّل الفنّان إلى شبه ناطق رسمي باسم الناس، وربما في بعض الأحيان « محامي دفاع» في مكان ما. هذا ما يجعل من الفنّان رمزاً اجتماعيّاً له جمهوره ومحبّوه ومؤيّدوه، وقد تكون هذه الصورة بعفويّتها أشبه ما تكون ببرلمان مثالي لا مثيل له في ديمقراطيّات الكون... ولا أبالغ إن قلت قد يكون برلماناً ينسجم مع جمهورية أفلاطون، أمّا إذا كان موجوداً هذا الفنان أم لا، فإنّني لا أظنّ بوجوده اليوم، فإن وُجِد فإن أفلاطون يربح ولا أراه كذلك! لا بدّ أن يبقى فكرةً وعلّماً...!!!
تعدّ حياتنا منظومة بلغة بسيطة، فقوانينها التي نفهمها بمعادلات وأسباب ونتائج هي شديدة الوضوح، ما صدى هذه الحروف في دواخلك كإنسان يحمل رقيّ الحالة الفنيّة؟ وهل أنت معه؟
ما قد يبدو بسيطاً في منظومة حياتنا وقوانينها، هو برأيي: بساطةٌ تُضمر عبقريّة الخلق. لكنّنا نعتاد الشكل ونألفه لأنه أول ما تقع عليه العين منذ الولادة وحتى الموت. فتتحول منظومة حياتنا وقوانينها اليوميّة إلى ما يشبه ركوب الدراجة الهوائيّة، لا ننتبه حتى لحركة القدمين فهي آليّة حركةٍ نتعوّدها ولا نجد أنفسنا في حاجة إلى التفكير في كيفية عمل القدمين في الحركة التبادليّة على «دواسات» الدراجة. أمّا في حالة الفنّان فإنّني أظنّ أنه معنيٌّ في إعادة الاعتبار لمعرفة وتظهير ما وراء الشكل البسيط، وهنا تبدأ رحلة المعرفة التي تكوّن جزءاً مهمّاً في كيانيّة الفنان.
الصدى الداخلي من عواطف وأفكار هي ما تعبّر عن شخصيّتنا وتجذب الأحداث من زمن المستقبل ليصبح حاضراً نفخر به أو نخاف منه أو نندم عليه أو... إلخ، ما هي حدود انطباق الفكرة والعاطفة التي يعيشها الفنان غسان مسعود مما يأتيه من حوادث ومما ينفذ منها على ميدان العمل فقط؟
نادراً ما تتطابق الفكرة مع العاطفة... الفكرة أقرب إلى المنطق أمّا العاطفة فإنّي أراها تتفلّت من المنطق... هي أقرب إلى الغريزة، وهنا تزداد مهمة الفنان صعوبة فهو في جوهر أدائه كممثل مثلاً يُركِّب علاقة آنيّة بين الوعي واللاوعي بين الفكرة والعاطفة، ليحمل في منطوقه أفكاراً شتّى على أجنحة العاطفة ليؤثّر بالناس ويقنعهم بعدالة قضيّته من خلال التمثيل، ومع تقادم الخبرة في فن التمثيل فإن العلاقة بين الفكرة والعاطفة والخيال تعكس نفسها في كليّةِ شخصيّة الفنان إلى درجة الهشاشة وهذا ربما يجعل الفنان يميل إلى الشكّ والخوف والتردد نتيجة تقاطع المعرفة مع الخيال والعاطفة الجيّاشة. فكلّ شخصيّة يمثلها الممثل لا بدّ أن تترك شيئاً منها في روحه ما يؤدي في بعض الأحيان إلى خلخلةِ الانتظام العام في بنية جسده وروحه لنراه شيئاً فشيئاً نموذجاً هاملتيّاً أو دونكيشوتيّاً. ولعلّك تسمعه يردد مقولات أبو العلاء المعري، بأنّه عالم في غاية التعقيد والبساطة، بسيط في الشكل وهو أقرب إلى الطفل، متشابك في داخله وكأنّك أمام أبي العلاء المعري أو هاملت.
الأخلاق تُعمر البلدان وتنهض بطاقة الشعوب، كيف يمكن أن نعيد الأخلاق لكلّ مهنة نزاولها اليوم على تنوّع الأعمال والأشغال؟
في دواخلنا شياطين وملائكة، إنني مهتمٌ مع ملاكي بطرد شيطاني، وهي معركة قاسية للحقّ في وجه الباطل، عندما ينظر كلٌّ منّا في داخله وينتصر لملاكه ضدّ شيطانه تبدأ رحلة الخلاص من الخاصّ إلى العام.
من صلاح الدين الأيوبي إلى شخصيّة مهمّة في فيلم موسى إلى ترشيحات لشخصيّات رمزية في حياة البشر وتأريخها، وماذا بعد؟ هل تصطدم بفكرة إلى أين أنا أتجه؟ ما هو دواء هذا الأمر الذي غالباً ما يقبع الفنان تحت مظلته بعد مدّة من الإنجاز؟
اصطدمت بفكرة إلى أين أتجه؟ وذلك في العام 2005 بعد إنجاز فيلم «مملكة السماء» كان عليّ أن أحسم أمري لأنّني كنت أمام خيار لا يحتاج لنقاش وتردد، وهو أن أترك هويّتي وأسعى إلى هويّةٍ جديدةٍ في هوليوود. لحسن الحظ كنت في عمرٍ يسمح لي أن أفهم معنى رسوخ قدميّ في أرضي. ببساطة بقيتُ هنا، وقلتُ كلمة لعلك قرأتها في مكانٍ ما، وهي: «هوليوود جاءت إلى دمشق مرّةً وستعود إلى دمشق، أنا لن أذهب إليها». ولا داعي لأذكّر بكمّ الأعمال التي اعتذرت عنها لأسباب باتت معروفة!.
هل لشمس التبريزي حكاية معك؟ وهل لك حكاية مع الصوفيّين؟
أشعر أنّي قريب جداً منه، وربما ألتقيه في عمل قيد التحضير، وعندما أنجزه سأقول كم أنا هو... وهو أنا!!.
نصائح تريد البوح بها عبر الكلمة من صحيفة الوطن السورية؟ وإلى من توجهها؟
لست في موقع من ينصح.
كيف سنتمكن من مواجهة الغزو الفكري القادم إلينا الذي مهدت له أحداث صعبة عاشها المواطن السوري؟
هذا غزوٌ تواكبه عقولٌ تائهة، وقلوبٌ جفَّ ماؤها، وأمام هكذا حالة يكون من الحكمة والشجاعة أن تصمت.