2015/02/25
السفير - سامر محمد اسماعيل
«العطر زنا، والمكياج زنا، العلكة زنا، ولا يحق لمن يشاهد فتاة متبرّجة تتعرّض في الشارع للتلطيش أن يساعدها، فهي تستأهل ما حدث لها، ولولا أنّها تبرّجت بهذه الطريقة لما تعرَّضت لهذه الإهانة، يجب أن (ينطوّا عليها عشرة)».
ما يرد في الجملة السابقة، غيض من فيض ما قاله أنس المدني معدّ ومقدّم برنامج «كلمة جريئة» التي بثتها إذاعة «نجوم إف إم» الخاصة، وبرفقة ضيفته جورجيت طنوس التي لم تترك هي الأخرى أي تحذير ووعيد وتنبيه إلا ووجهته عبر البرنامج الذي تبثه الإذاعة السورية ظهر يومي كل سبت وأحد.
نصحت طنوس في ردودها على هواتف المتصلين الأمهات السوريات أن يحذرن من رفيقات بناتهن في المدرسة، إذ يمكن لرفيقة البنت القاصر أن «تغرّر بها وتغويها لصالح أخيها الشاب!». ليس هذا وحسب، بل سردت طنوس قصة سمعتها من سائق تاكسي قام بحرمان شقيقته من الدراسة في الجامعة، «ثم دبّر لها وظيفة حكومية يأخذها بنفسه إليها ويعيدها عند انتهاء الدوام»، وذلك برأيي طنوس والمدني هو الصواب.
عشرات الهواتف التي تبدو مفبركة نتيجة أنها ذات رأي واحد تقول وتؤكد على ضرورة حفاظ الفتاة على عذريتها. مثلاً اتصلت إحدى المستمعات لتقول: «الحمد لله لقد تزوجت في الثمانية والثلاثين من عمري وكنتُ لا أزال بنتاً، والآن أنا مدام، وأنصح جميع الفتيات ألا يثقن بأي شاب، مهما كان، وتحت أي ظرف، ولا تقع إلا الفتاة التي تمد يدها كما يقول المثل، فالله لا يردها».
انهالت الاتصالات على البرنامج الذي حمل عنوان حلقته اسم «بنت العشرين»، وأيدت جميع المتصلات ما تتعرض له «الفتاة المتبرجة». وعقّب المدني على أحد الاتصالات قائلاً: «لا تغرّكِ سيدتي الأم تلك الفتاة التي تقول لكِ «السلام عليكم» حين تدخل إلى منزلك لزيارة ابنتك الصبية الصغيرة؛ ولا حتى التي تقول لكِ «هاي»، فكثيرات من هؤلاء الفتيات يتعاطين الإنترنت والفايسبوك والواتسآب، وهنَّ يعملن على إغواء ابنتكِ وحرْفِها عن الطريق المستقيم والسترة». أغرب اتصال كان من أحد المتصلين الذي عرّف عن نفسه بالقول غاضباً: «أنا أفرمها فرم لابنتي»، فرد عليه المدني: «الله محيّي أصلك»!
البرنامج الحواري الذي استمر أكثر من ثلاث ساعات على الهواء مباشرةً يحرّض وبعنف غير مسبوق على الاعتداء الشخصي على حرية المرأة السورية، ولا من رقيب أو حسيب. فلا وزارة الإعلام السورية تشعر بحجم الخطر من هذه البرامج التي تبث سمومها في أوقات الذروة للمستمعين في ظل حرب يتداخل فيها الطائفي بالسياسي بالاجتماعي، ولا هيئات المجتمع تتدخل، خصوصاً «الاتحاد النسائي السوري». وكأن برنامج «كلمة جريئة» يعيد للأذهان جلسات البرلمان السوري في خمسينيات القرن الفائت لمناقشة ديوان «طفولة نهد» للراحل نزار قباني، وإذا ببرامج الإذاعات الصفراء تعود اليوم للرهان على «خطاب التقوى».
من يضطلع بمسؤولية إيقاف هذا البرنامج المسيء لكل القيم المدنية...
ومن يسمع ما قاله شاعر الشام حين كتب في قصيدة «يوميات امرأة»: «سأكتب عن صديقاتي، فقصة كل واحدةٍ، أرى فيها.. أرى ذاتي، ومأساة كمأساتي، سأكتب عن صديقاتي، عن السجن الذي يمتص أعمار السجينات عن الأبواب لا تفتح، عن الرغبات وهي بمهدها تُذبح، عن الحلمات تحت حريرها تنبح، عن الزنزانة الكبرى، وعن جدارنها السود، وعن آلاف... آلاف الشهيدات»؟