2014/08/11
ديما الخطيب – تشرين
بعيداً عن مهزلة مسلسلات «النكت» الشعبية غير المضحكة، استطاع مسلسل «حمام شامي» أن ينقل البيئة الشاميّة من دراما الحرب والضرب والترهيب وثرثرة نسوان الحارة، إلى ظاهرة كوميديّة جديرة بالمشاهدة.
«حمام شامي» مسلسل سوري تدور أحداثه داخل حمام للرجال، ما يعيدنا بالذاكرة إلى تاريخ الكوميديا السورية الأصيل في مسلسل «حمام الهنا»، فهل تجدر المقارنة هنا؟!
الكوميديا السورية التي اشتهرت باعتمادها على الثنائيات الكوميدية، لا تزال تراهن حتى اليوم على نجومها الفرادى لقيادة عمل متكامل إلى جانب بطلين آخرين هما النص والإخراج، لكن من الواضح أنها - أي الكوميديا السورية- تعمد «أغلب الأوقات» إلى الاتكاء على شخصية واحدة أو اثنتين، يرتكز العمل عليهما ليكونا عموده الفقري، فمن غوار الطوشة وصديقه حسني البرظان في «حمام الهنا» و«فندق صح النوم» إلى سلسلة مرايا لـ«ياسر العظمة» ومروراً بـ «دنيا» أمل عرفة، وأبو جانتي «سامر المصري، إلى بقعة ضوء الذي أسسه الثنائي باسم ياخور وأيمن رضا، وانتهاءً برأس هرم الكوميديا السورية مسلسل «ضيعة ضايعة» بجزئيه، لباسم ياخور ونضال سيجري، انطلقت في الدراما السورية، كوميديا عُرفت بشكل غير رسمي بكوميديا الفرد أو الثنائيات، ورغم تضافر جهود نجوم أي عمل كوميدي كفريق متكامل، لا يمكن نكران دور أي واحدٍ منهم في إنجاح المسلسل، إلا أن محور العمل ظل يعتمد بشكل أو بآخر على شخصية جذابة أو اثنتين أساسيتين، تدور حولهما وبينهما مفارقات كوميدية خفيفة، يكون للممثل فيه دور في إضفاء نكهة «هضامة» على الشخصية، وهو ما عودنا عليه عدد كبير من نجوم الدراما السورية مثل أيمن رضا «أبو ليلى» ونضال سيجري «أسعد» وغيرهم.
ومجدداً، نجح نجما مسلسل «حمام شامي» بالانضمام إلى سلسلة «الثنائيات الكوميدية» الناجحة، والوصول إلى قلوب جمهور الكوميديا السورية، وموهبة الثنائي مصطفى الخاني «خرطوش» وأحمد الأحمد «حمدي العطّار» ليست هنا موضع نقاش، فالنجمان حفرا اسميهما في جدارية الدراما السورية بكل أنواعها وألوانها، وأثبتا مكانتيهما خلال فترة زمنية قصيرة، كنجمين لامعين في سماء الدراما السورية.
مصطفى الخاني الذي اعتاد أن «يتلبّس» أي شخصيّة بدل أن يؤديها، يفاجئنا اليوم بشخصية «خرطوش» التي -في الأغلب- أضاف إليها شيئاً منه، كالصوت الرفيع والمتهدج أحياناً، والشعر «المنكوش» والشارب «حليق الطرفين» في بيئة للشارب فيها مكانة كبيرة، والنظرات الشريرة الذكية أحياناً، والحائرة الغبية أحياناً أخرى، يحاول «خرطوش» ذو اللسان «الحلو» المجامل الذي قد يصل إلى مرحلة «تمسيح الجوخ» أحياناً، أن يبذل جهده للخروج من «الورطات» التي يُوقِع نفسه فيها، أو ليُحقق أهدافه ومصالحه بغض النظر عن الطريقة، على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فهو ليس شخصاً صالحاً صادقاً يتحلّى بالأخلاق، وهو ليس العكس أيضاً، فرغم قلبه الطيب إلا أن خرطوش قد يسرق إذا اضطره الأمر، وقد يكذب تهرباً من فضيحة، وقد يفتري انتقاماً لكرامته المهدورة دائماً، وهو العاشق الولهان، الذي يذوب خجلاً ما إن تمر حبيبته ابتهال «ديمة بياعة» أمامه، ليبدأ «بلحس عقلها» بالغزل «الجميل» باعتقاده، المضحك في الحقيقة.
شارك النجمين البطولة نخبةٌ من نجوم الدراما السورية والشامية، نذكر منهم: مرح جبر، وسليم صبري، وأنطوانيت نجيب، ورامز أسود، وديمة بياعة، وديمة الجندي، وواحة الراهب، والراحل وفيق الزعيم، وغيرهم.
أما النص الذي لم يكتفِ مؤلف «الحوت» و«كوم الحجر» و«باب الحارة» «كمال مرة» بكتابتهِ، بل لعب فيه دور «شرارة» حفار القبور المخيف الذي يفضل الناس الخروج من المكان لحظة وجوده فيه وكأنه النائب الرسمي لـ «ملك الموت»، فقد كان –أي النص- على درجة عالية من الذكاء والإتقان والخفة والمراوغة والقرب من القلب، من دون أن يحتاج بالهبوط إلى مستوى التهريج والتمريج، وإلقاء النكت والمبالغة في ردات الفعل.
بدوره المخرج مؤمن الملا، الذي قام بنقل أول بيئة شامية، ليس خارج دمشق وحسب، بل أيضاً خارج سورية، في أبو ظبي، كان أجّل عرض المسلسل من العام الماضي، رغم الانتهاء من تصويره، بسبب التأخر في إجراء عمليات المونتاج، رافضاً أن يعرض المسلسل إلا في شهر رمضان المبارك، أو بعده.
العمل الذي حصل قبل عرضهِ على عدّة جوائز عربية في مهرجانات مهمة، جعل الملا مرتاحاً وواثقاً من المستوى الجيد لعمله، ومنتظراً المزيد من ردات الفعل الجيدة بعد الانتهاء من عرضه، وهو -على الأغلب- ما سيحصل عليه، رغم انتقاد البعض للمبالغة في اللكنة الشاميّة لشخصية «خرطوش».
يمكننا القول إنه رغم النجاح الشعبي –المبدئي- لمسلسل حمام شامي، إلا أن ذلك لا ينفي أن من مساوئ الدراما السورية التي ترافقت مع صعودها السريع والمبهر أمام الدراما العربية، أنها حين تنجح في عمل ما -فانتازي أو تاريخي أو شامي- تصنع له أجزاءً وأجزاء، أو نسخاً مشابهة، حتى يكاد يصاب جمهورها بالتخمة والدوار، وهذا هو الأمر بالنسبة للبيئة الشاميّة التي أثبتت جماهيريتها الواسعة خلال السنوات القليلة الماضية، ما جعل شركات الإنتاج -الخليجية خصوصاً- تتسابق لوضع رهانها على هذا النوع من الأعمال الشعبية وربما تطلبها، ورغم قربها أي هذه الأعمال من قلوب الجماهير العربية، إلا أن الرهان على تكرار البيئة الشامية يجب أن يتوقف، فقد أضحى في مرحلة النسخ والتكرار الممل، ويُخشى أن يقع فريسة «الربح الأكيد» فاقداً قيمته الدرامية، كما حدث مع كثير من الأعمال السورية.