2014/07/09
طارق العبد – السفير
على رغم ما تتضمّنه مسلسلات البيئة الشامية من تشويه لتاريخ دمشق وأهلها، وتكرار في القصة والحبكة الدرامية، إلا أنّها تبقى الحصان الرابح بالنسبة لصنّاع الدراما السورية. عوامل عدّة تساهم في ذلك، أبرزها سهولة تسويق تلك الأعمال عربياً، وعدم الحاجة لميزانيّة ضخمة لإنجازها.
خمس مسلسلات تدور أحداثها في حارات وأزقة الشام القديمة، تعرض حالياً على الشاشات العربيّة، ضمن الماراتون الرمضاني. أبرز تلك الأعمال الجزء السادس من «باب الحارة» من تأليف عثمان جحى وسليمان عبد العزيز، وإخراج عزام فوق العادة بإشراف بسام الملا. ورغم الجدل الدائر حول تراجع مستوى العمل، إلا أنّه يحجز مكانته بقوّة على خريطة المشاهدة، بفضل عودة عباس النوري بدور أبو عصام، ومصطفى الخاني مؤدياً شخصيّة جديدة هي الواوي، إلى مشاركة نجوم جدد في بطولة العمل، في مقدّمتهم أيمن زيدان ومرح جبر بدوري أبو ظافر وأم ظافر. كذلك يجتمع عباس النوري وبسام كوسا معاً في «الغربال» عن نصّ لسيف رضا حامد وإخراج ناجي طعمي، كما يحضر رشيد عساف بطلاً في «طوق البنات» من تأليف رجاء الشغري وأحمد حامد وإخراج محمد زهير رجب. وفي الحارة الشامية أيضا ستدور أحداث «خان الدراويش» للكاتب مروان قاووق والمخرج سالم سويد. فيما يعود الكاتب خلدون قتلان إلى فتنة جبل لبنان في العام 1860، وأثرها على دمشق في «بواب الريح» للمخرج المثنّى صبح، من بطولة دريد لحام، وغسان مسعود، ومصطفى الخاني.
تشكّل دراما البيئة الشامية مادة تلفزيونية مطلوبة بشدة، وذلك ما يظهر من خلال توزيع عرض تلك الأعمال على الفضائيّات. فمسلسل «الغربال» وجد طريقه للعرض على اثنتي عشرة محطة، تتفاوت بين المغمورة، والقنوات عالية المشاهدة. كما ويعرض «بواب الريح»على تسع شاشات بينها «أو أس أن» و«أل بي سي آي»، بينما يُفتح «باب الحارة» على سبع محطات أهمها «ام بي سي»، ومثله بالنسبة لـ«طوق البنات» على «تلفزيون قطر» و«المستقبل».
تشكِّل هذه الأعمال مادّة إنتاجيّة سهلة بالنسبة لصنّاع الدراما، فالتصوير في البيوت الدمشقية القديمة ما زال آمناً على اعتبارها أقل المناطق المستهدفة بالقذائف. كما تعتبر مواقع آمنة لتدور فيها كاميرات المخرجين، إذ يتمّ تصوير المشاهد الخارجية في استوديوهات بنيت خصيصاً وتعاقبت عليها عشرات الأعمال الشامية كـ«مدينة الفارس الذهبي». وبذلك، لا يحتاج مهندسو الديكور سوى لإجراء بضعة تعديلات بين المسلسل والآخر. لذلك تبدو البيوت والحارات في بعض المسلسلات مستنسخة عن بعضها البعض كحال الملابس والإكسسوارات، وحتى تفاصيل الشخصيات كمختار الحارة أو الزعيم والقبضاي والحلاق والشيخ. أما النصوص فلها حكاية أخرى مع اعتماد قالب موحد عن صراع الخير والشر، وتعامل سكان العاصمة مع الاحتلال الفرنسي، إلى جانب مواقف ذكورية مفرطة، وثرثرات نسائية بلا حدود. مع العلم أنّ الرقابة تدخّلت في تلك الأعمال هذا الموسم، مع إصدار تعليمات مشدّدة بعدم استعمال مصطلح «ثوار الغوطة»، وعدم رفع العلم المستخدم في تلك الفترة الزمنية، إضافة إلى التركيز على دور المرأة والتقليل من سلطة رجال الدين. هكذا جاءت النتيجة في الحلقات الأولى لمسلسلات الحارة الشامية كارثيّة بامتياز، فغرقت معظم الأعمال بالتكرار، وأسلوب حواري منمّط.
وربما يمكن القول إن «بواب الريح» هو المسلسل الوحيد الذي يدور في فلك مغاير عن باقي أعمال البيئة الشامية لهذا العام. ويسجل للمسلسل القيمة الإنتاجية الضخمة التي تبدو واضحة من الديكور والأزياء والإكسسوارات، وأسلوب المخرج المثنى صبح البعيد عن نمطية أعمال الحارة التقليدية، يضاف إلى ذلك الاعتماد على نص يستند للوقائع التاريخية.
في مطلق الأحوال يرتفع الجدل سنوياً حيال دراما تبتعد كل البعد عن حقيقة أهل الشام وتاريخهم... ورغم كل النقد الذي تلقاه هذه المسلسلات لا تزال شهية الفضائيات مفتوحة عليها أكثر من كل أعمال الدراما السورية.