2014/07/03
عفاف يحيى الشب – الوطن السورية
عصورنا الحديثة قاسية بكل معاييرها.. مولودة من عقم الآلام.. منشلحة على أكتاف الاستهتار.. تجول وتصول على ضفاف تعايشنا السوي والهني.. تحكمنا بصولجانات الانحراف.. تروح بنا إلى مدارس الفلتان.. دستورها عنوانه الكذب القاتل.. والقول المائل.. والأداء الملغوم بأهداف ضالة ومسمومة وغير سوية ولا بناءة.
ليس ما قلته بعضاً من سوداوية ولا نفساً من تشاؤمية بل إنه الواقع الذي نعيش بين ترهاته والآلاف المؤلفة من صيغ مفبركة مبهرجة تطل علينا في كل ساعة وثانية.
عصرنا عصر القفز فوق اللامعقول يقرؤه كل ذي عين على سطور الحياة سواء أكان المشهد الغالب يتجلى في حروب إبادية تدميرية لا مبرر لها سوى النهب والسرقة أو في صناعات مغشوشة.. في كلمات مدسوسة وفي عمليات تجميل لتزييف أي واقع طبيعي بل في الاحتيال واستغباء الآخر وما إلى ذلك من مبتكرات قد يكون بعضها موجوداً سابقاً لكنه قد تضخم مؤخراً وتفاقمت تفرعاته حتى أضحى الإنسان رهينة التشويش والتسييس والتشريد والانزلاق إلى قيعان الهاوية.
من أهم مفرزات الحاضر المعاصر الشاشات الفضائية بكل توجهاتها السياسية والدينية والدرامية والثقافية والترفيهية والإخبارية وما يلحق بها من أبواب، وهنا ومع اقتراب الموسم الرمضاني الدرامي تستجير الحروف كل الأقلام لطرح ذلك السؤال المهم وهو:هل الدراما السورية تحديداً أجادت وبرعت في التركيز على قضايا معينة لها أبعادها التوجيهية الإيجابية أم إنها مجرد استعراضات لإخراج ما وتكريم لفنانين معينين لتنهي الأمور بمسلسلات نائية جداً عن الهم العام.. عن قضايا حقيقية لها طروحاتها غير المثيرة لأي عاطفة إسفافية بغية الوصول إلى احترام المشاهد واحترام المشاهد لها.
الغائب الحاضر
ما الغائب في الدراما السورية؟ وأقول إن الدراما السورية نجحت في أعمالها التاريخية وفي الأعمال التي تناولت سيرة أشخاص لها اعتبارات بشكل وآخر فكانت حاضرة في ذاكرتنا كأعمال نعتز بها لكنها غابت عن الواقع في عدة أعمال اجتماعية بعينها حين سكبت عليها أملاح التشويق والإثارة لتكون منتهكة لأخلاقية المجتمع وغير منتهجة مبدأ الواقع رغم أن الواقع قد يقدم لنا أشخاصاً انحرفوا بمساراتهم قليلاً أو كثيراً وهنا لا يجوز تعميم الاختراقات الشاذة وجعلها موضوع عمل يمتد على ثلاثين يوماً مباركاً من أيام شهر رمضان الفضيل ليصبح الزيف حاضراً والواقع غائباً ويصبح لزاماً علينا أن نطلق ألفاظ التعجب في كل مشهد من مثل تلك الأعمال وندفع زفيرا قوياً في كل مقطع.
الدراما والأزمة السورية
خلال الأزمة السورية اكتشف أهل الفكر غياب الوعي الإلتزامي عند بعض شباب الأمة ولو حاولنا الدفاع عن هؤلاء الشاب لقلنا فوراً إن أحد وجوه سقوط الوعي عندهم يكمن في تحميل بعض الدرامات مسؤولية الضياع حين تمسك بظاهرة معينة سلبية بامتياز ثم تشدها وتشدها حتى تصبح حكاية خطيرة تسبح على القنوات الفضائية ثلاثين يوماً رمضانيا خلال العرض الأول فقط، ومن المعلوم أن الشباب صغار السن يشكلون قاعدة عريضة للمتابعة الدرامية الرمضانية.
-أسباب كتابة هدا المقال: مما لا شك فيه أن أسباباً كثيرة دفعتني مراراً للكتابة في مجال الدراما السورية البناءة التي أجادها مخرجون وكتاب كبار وسقطت أحياناً في قاع الارتباك والتسديد الخاطئ لدى البعض الآخر...
أما السبب المباشر لكتابة مقالي فكان في مشاهدتي لثلاثة أعمال درامية سورية طرحت على شاشات عدة في امتداد زماني متقارب ركزت على موضوع الجنس والبغي أحدها كان عالي الجودة في مسلسل جعل أبطال العمل كلهم من أهل الدعارة، فإما هم قوادون أو يمارسون الدعارة بغية المال أو نتيجة الاستجرار لهم قسرياً، ولقد أحصيت أعداد من عملوا في بناء العمل فبلغ عدد من كانت أدوارهم تتناول الانغماس في الدعارة الجريئة التي لها أربابها ومقراتها ورعاتها الموزعون بين الريف ودمشق وقبرص يتجاوز العشرة من أبطال العمل، فهل يعقل أن تكون قرية صغيرة قادرة على فرز أعداد كبيرة ممن استباحوا الأخلاق في علانية فاضحة أم إنها الدعاية والإبهار لتلك الشركة أو المخرج على حساب الفكر والمنظور العام؟
وأما العمل الثاني فربما جاء ضالاً كل الضلال بحيث لم يرد في السينما والدراما الغربية ولا في المصرية على ما أظن ويتعلق بهجوم شاب طبيب على أم زوجته والاعتداء عليها والإفصاح عن حبه لها وهو يسكن معها في منزلها والحل الدرامي كان في مقترح أم الزوجة أن تتزوج هي من شاب آخر ويخرج الصهر المعتدي عليها مع ابنتها إلى بيت آخر... فما الغاية من تلك الحكاية ولو حصلت مرة أو اثنتين أو عشر مرات في تاريخ البشرية فهل يجوز تعميمها كإحدى نبضات المجتمع التي تكرسه الدراما والتي ارتأت إظهارها للنور للخلاص من آثارها الملتوية الرقطاء؟؟وأما العمل الثالث فيروح بنا إلى مجتمع قديم جداً يتناول سيرة العرب في صراعهم مع الرومان ليخرج من حكاية تاريخية يجب الوقوف على تفاصيلها إلى مجرد استعراضات جنسية واعتداءات في العراء على الفتيات اللواتي سقطن في يد زعماء القبيلة العربية وهن من قبيلة عربية أخرى بما يزيد أوجاعنا الراهنة ويفتك بشغاف قلوبنا الواهنة وما في ذلك من تجاهل لكرم حاتم الطائي وحكمة زهير بن أبي سلمى وفروسية عنترة العبسي ومدى عفته حين قال لمحبوبته: هلا سألت القوم يا ابنة مالك.. إن كنت جاهلة بما لم تعلمي.. يخبرك من شهد الوقيعة أنني.. أغشى الوغى وأعف عند المغنم.. فهل المطلوب من الدراما استجرار تلك المساحات السوداء وتغليفها بمشاعر الإثارة البغضاء والانثناء معها بعيداً عن فكرة العمل التي تدور حول الهجمات الرومانية على مناطقنا العربية؟
ومع شديد الاعتذار من مشاهدنا السوري والعربي أتمنى لو توجهت الأموال والجهود المكرسة للإنتاج الدرامي لقضايا ربما تساهم في إسقاط الضوء على آلامنا العديدة والذهاب إليها شريطة أن تلامس بمصداقية إبداعية الأوجاع الممتدة على شريط سكاني طويل وعريض وتحمل موضوعات جادة ترتفع بها عن قضايا الجنس المباح والمواضيع الدونية التي ليست على سوية وجداني عال وتتماهى مع إشكالاتنا المستعصية وتقارب بعضها تداعيات انجرافنا وطنياً واجتماعياً وجدانياً ومسلكياً واقتصادياً إلى أنفاق عتمة مغلولة الأبواب مهما قيل في الدراما وكيف أن من مهامها الترفيه عن المشاهد وكأن ترفيه المشاهد لا يحصل إلا في استخدام الإثارة لأجل الإثارة التي لا نشاهد عواقبها إلا في آخر حلقة، ليبقى السؤال ضرورياً وهو: إلى متى يا صناع الدراما تروحون إلى إفراز ثقافة درامية لا تعطينا أمثلة عن الوطنيين.. عن تاريخنا البهي.. عن أهل الأدب والشعراء وعن الحب النقي وهو يؤلف القلوب ويجمع الجهود وعن وعن وعن، علما أن هناك قنوات مفرغة خصيصا للعشق المجنون ولنترك قنواتنا القليلة لأبهى الفنون والقصص المعجونة بالحنين إلى الأهل.. إلى الوطن والأخلاقيات عنوانها كبير ولا يضل طريقها صاحب فكر نظره غير حسير.
وما أخجل من رؤيته مع الأولاد لا نريده... ومالا ينعش تربتنا الاجتماعية ولا يأخذنا إلى ما نبتغيه من تسلية درامية مروية بماء كرامتنا ليس هو المنشود ولا نريده، لأن فن الدراما انطلق في اليونان قديماً مستنداً على روايات أدبية غنية بحكايات إنسانية تعيش في وجدان كل إنسان، تنمو على أسواره وتحكي بعض معاناته المتعربشة على نوافذ الأكثرية ليبقى التحدي الكبير هنا في فصل مفهوم العمل الدرامي عن السينمائي على أقل تقدير... ولا أدري!!!