2014/04/15
بشار إبراهيم – الحياة
مضى ذلك الوقت الذي كانت فيه الأفلام الروائية القصيرة السورية تتصدّر واجهة المشهد السينمائي العربي، وتحظى بتقدير عالمي. كان ذاك عند مطلع سبعينات القرن العشرين، على أيدي سينمائيين سوريين وعرب، عملوا مع «المؤسسة العامة للسينما» في سوريا، أمثال قيس الزبيدي ونبيل المالح وقاسم حَوَل، وغيرهم، من الذين قدّموا أفلاماً روائية قصيرة متألّقة، كما في فيلم «الزيارة» لقيس الزبيدي 1970، و«نابالم» لنبيل المالح 1970، «واليد» لقاسم حول 1971.
وعلى مدى أربعة عقود من الزمن، منذ ذلك الوقت، كان ثمة العديد من المُساهمات المتميزة التي تراوحت ما بين الفيلم الروائي القصير، والفيلم الوثائقي القصير، تلك التي مرّ بها غالبية (إن لم نقل كلّ) المخرجين السوريين، باعتبارها محطة أو خطوة في طريق الانتقال بهم إلى صناعة الفيلم الروائي الطويل، إلى درجة أننا سنلمح أطياف الأفلام القصيرة مُتضمَّنة في الأفلام الطويلة، في تجارب بعض المخرجين، بدءاً من محمد ملص وسمير ذكرى، وصولاً إلى أسامة محمد، وعبداللطيف عبدالحميد، وريمون بطرس، ورياض شيا... ودون أن ننسى تجربة عمر أميرلاي في محاولته عن «سدّ الفرات».
وقبيل مطلع القرن الحادي والعشرين، جاءت موجة تالية ومتميّزة من الأفلام الروائية القصيرة، على أيدي جيل آخر من السينمائيين: مثال نضال الدبس في «يا ليل يا عين»، بسام كوسا في «سهرة مهذبة»، ونضال دوجي في «قصة حب عتيق»، وأنطوانيت عازاريه في «الأطفال ليسوا دائماً حمقى»، وحاتم علي في «شغف»، وباسل الخطيب في «الحركة الخامسة»، وفجر يعقوب في «البطريق»، و«سراب»، و«السيدة المجهولة»، وأيهم عرسان في «وراء الوجوه»، وطلال ديركي في «رتل كامل من الأشجار»، فضلاً عن الأفلام القصيرة المتميزة التي حققها كلّ من جود سعيد، وبيان طربيه، ونضال حسن. وفي حين حاولت بعض المجموعات الشبابية، مثل «ورشة أيلول» السينمائية، مع علاء عربي كاتبي وسامر برقاوي ورامي فرح وعدنان العودة، الاشتغال منذ قرابة 10 سنوات، على أفلام روائية ووثائقية قصيرة، بشكل مغاير للمألوف والمُعتاد في إنتاجات «المؤسسة العامة للسينما»، وفي شكل يمكن أن ننسبه إلى «الفيلم المستقل»، ودون أن ننسى أفلام جود كوراني وديانا جيرودية، يمكن القول إن تجربة علي وجيه جاءت لتدشّن مرحلة جديدة في عمر الفيلم الروائي السوري القصير، ليس فقط من خلال الجمع بين ميراث هذا الفيلم سوريّاً، عبر عقوده الماضية، والانفلات من الأشكال التقليدية في الكتابة، والذهاب نحو مُقترح بصري وجمالي وفكري جديد، ومقاربة الراهن السوري، بل من حيث منح الدور الأساس لكاتب السيناريو، الشريك الأساس في صناعة الفيلم.
أفلام لا تتعدّى أصابع اليد الواحدة، كتبها علي وجيه، خلال السنوات الماضية، وهي كلها تنمّ عن موهبة سينمائية تتقدّم على مهل، ودون أيّ استعجال. من فيلم «نخاع» 2011، إلى «دوران» 2013، وصولاً إلى «الرجل الذي صنع فيلماً» 2013، ينتقل علي وجيه من التعامل مع المخرج وسيم السيد في الفيلمين الأوليين، إلى المخرج أحمد إبراهيم أحمد في الفيلم الثالث. ولكنه سيعود مع فيلمه الجديد «ابتسم فأنت تموت» 2014، للتعاون مجدداً مع وسيم السيد، وبإنتاج «المؤسسة العامة للسينما».
على الصعيد المضموني، يبتعد علي وجيه عن الدور الوظيفي للفيلم الدعائي التحريضي، المعروف في زمن الحرب. يحاول الاتكاء على المُعطى الإنساني العام، للمأزق الكارثي، وانعكاساته على البشر العاديين، ليثير أسئلة أكثر مما يقدّم أجوبة. أما على صعيد الشكل، فلا يبدو علي وجيه خائفاً من صفة «التلفزيونية» لأفلامه، فهو الذي بدأ مع تجربة «فلاش سوري كتير» 2011، التي كانت عبارة عن حلقات قصيرة مُتتالية، تُبث عبر الإنترنيت، والذي تعاون في أفلامه مع المخرجيْن وسيم السيد وأحمد إبراهيم أحمد، القادمين من عالم الإخراج التلفزيوني، كأنما يُراهن على أن السيناريو هو أساس العملية الإبداعية السينمائية. متكئاً، ربما، على جوهرية طريقة كتابة السيناريو، في هذا المجال.
المشاهدة المتأنية لأفلامه تؤكّد أن الأساس عنده ينبع من السيناريو، بدءاً من التقاط الفكرة، وطريقة تناولها، وبنائها وسردها وعرضها، بشكل مُغاير ومختلف، يأخذ من التجريبية والرمزية إلى حدّ السريالية، كما ينتمي إلى الواقعية الحياتية إلى حدّ المباشرة التقليدية، لننتهي إلى نكهة سينمائية لا تشبه إلا نفسها، ويمكن لها في يوم ما أن تُنسب إلى كاتبها، بالقدر نفسه التي تنتسب إلى مخرجيها.
تُشارك الأفلام التي كتبها علي وجيه في العديد من المهرجانات السينمائية المتخصّصة بالفيلم الروائي القصير، حول العالم. تنال الجوائز، وتحظى بالتقدير. وفي كل حال يبدو أن علي وجيه ماضٍ في دربه المُؤسِّس لمعنىً جديد يُضاف إلى ميراث الفيلم السينمائي السوري القصير، وهو ميراث كبير دون شك، وهي إضافة مهمة، كما نعتقد.