فيفي عبده مع المغني هشام عباس
مارلين سلوم - دارالخليج
"من الآخر" ماذا ينتظرنا بعد في عالم التلفزيون؟ وكأننا نجلس أمام شاشة تعاني مرضاً خطيراً، وقد تفشى في كل بدنها ووصل إلى مرحلة متأخرة، وبالتالي ليس هناك "أسوأ" مما هي عليه الآن لنتوقعه .
مرض الشاشة معروف لكن أغلبية المسؤولين عنها لا تريد لها الشفاء، بل تفضل انتقال العدوى منها إلى المجتمعات كلها، وإذا عاش المشاهد نفس حالة شاشته، ضاع إحساسه بالألم .
من أعراض المرض المتفاقم، شبه اختفاء الوجوه الإعلامية الجديدة، واحتلال الفنانين لكافة مقاعد تقديم البرامج، باستثناء ال "توك شو" الذي تركوه للمذيعين واكتفوا بتقديم فقرات منه . ورغم تراجع هذه النوعية أيضاً، وإصابة الجمهور بالملل من كثير منها لتكرارها المواضيع والضيوف، ولاعتمادها على مزاجية وأهواء المذيع أكثر من اعتمادها على المنطق والتحليل الواعي بلا عصبية وانحياز، وبلا صراخ وفرض آراء على المشاهدين لجذبهم بالقوة نحو هذا الطرف أو ذاك . رغم كل هذه السلبيات، تبقى هذه البرامج الوحيدة المتخصصة التي يقدمها أبناء الكار، بينما يتم توزيع باقي "التورتة" على الفنانين والمشاهير، ليحتلوا مقاعد المذيعين ولا يرحموا المشاهدين .
مَن يقدم ماذا؟ لا تحاول أن تفهم، لأنك لن تجد سبباً مقنعاً لوجود هذا الممثل مقدماً لذلك البرنامج . والمعجزة الآن أن تفهم مثلاً كيف وصلت الحال بنا إلى قلب كل المقاييس لتصبح الراقصات مذيعات؟ السؤال اعتراضي نعم، لكنه لا يقلل من شأن أحد، بل يضع الشخص المناسب في المكان المناسب . وإذا شن كثيرون حملة ضخمة للاعتراض على حصول الفنانة فيفي عبده على جائزة "الأم المثالية" من أحد المهرجانات في مصر، نستغرب أن يسكت الإعلام كله عن تقديم فيفي عبده برنامجاً على "إم بي سي مصر" وتقود الدفة فيه كما تشاء، بينما تنتقل سما المصري من التقديم إلى إنشاء محطة وتتولى إدارتها لتقدم فيها ما يحلو لها؟
ماذا أضافت للمشاهدين فيفي عبده بتقديمها برنامج "أحلى مسا" مع المغني هشام عباس؟ قد تكون أضافت للمحطة بعض الأموال من الإعلانات، ومن المؤكد أن فيفي وهشام حققا مكاسب من الصفقة، يعني كل المسألة "بيزنس" وليذهب الإعلام إلى الجحيم . لا يكفي أن تكون فيفي عبده "جدعه وبنت بلد" كي نقبل بها مذيعة ومقدمة برامج . ولا يكفي أن تكون مشهورة ولها جمهورها كي نوافق على وجودها في مقعد يجب أن يكون لمن تتمتع بمواصفات المذيعة وتعرف أبجديات المهنة، وتخرجت من كلية الإعلام أو درست أو حتى على الأقل تدربت في مؤسسة إعلامية . وهنا اسمحوا لنا أن نتوقف عند المادة التي يقدمها المذيع للجمهور، التي من المفترض أن تأتي على مستوى معين من الثقافة كي تفيده وتساهم في تشكيل وعيه بمختلف أمور الحياة، حتى ولو كانت في الجوانب الفنية، لأنه إذا لم يأت المذيع بأي جديد فصمته وغيابه عن الشاشة أفضل .
لسنا نتحامل على الفنانة فيفي عبده التي استطاعت أن تحقق جماهيرية معينة سواء من خلال الرقص أو التمثيل، لكن هذا لا يعني أنها تصلح للعمل في كل المجالات، وعلى الجمهور أن يتقبلها ويصفق لها أينما حلت . ثم من قال إنّها نجحت في "أحلى مسا"؟ بل على العكس، فالثنائي هشام وفيفي غير ناجحين وفقرة التمثيل التي يقدمانها في كل حلقة "دمها ثقيل" جداً، وتبدو مفتعلة وغير متقنة . وإذا كانت الراقصة تتعمد الاعتماد على تلقائيتها في التقديم، فإنها تبدو فجة ولا تعرف كيف تدير الحلقة وتوزع الأدوار بينها وبين زميلها هشام . ولا لوم عليها في ذلك، لأنها غريبة عن عالم التقديم، ولا علاقة لها بالإعلام، فلماذا يضعونها ويضعون المشاهدين في هذا المأزق؟
لماذا علينا أن نقبل الفنانين بأزياء المذيعين؟ ولماذا علينا أن نتقبل احتلال الراقصات للشاشة لمخاطبة الناس؟ وأي فكر جديد سيستقيه المشاهد من شاشة "مهزوزة"؟ لا ننكر طبعاً أن قلة من الممثلين استطاعت أن تنجح في تقديم برامج، لكن نجاحها جاء لأنها اعتمدت على موهبتها وقدمت ما يتناسب معها ويليق بها، مثل نور الشريف حين قدم برنامجاً عن السينما، وأشرف عبد الباقي الذي يجمع بين الكوميديا والحوار .
دائماً تجبرنا الأحداث على العودة إلى الماضي، وهنا عادت الذاكرة إلى زمن استضافة الفنانين في برامج "كان" يقدمها مذيع محترف، من وزن ليلى رستم التي استضافت الكثيرين في برنامجها "نجوم على الأرض"، ووقتها كان النجوم فعلاً يضعون أقدامهم على الأرض ويتحدثون بتواضع وكل من موقعه الصحيح . ومن يشأ يمكنه مثلاً متابعة الحلقة التي استضافت فيها رستم الراقصة نجوى فؤاد، والتي تحدثت فيها بكلام موزون، ليكتشف كم كان الحوار مفاجئاً .
تحية كاريوكا، سامية جمال، نعيمة عاكف، كثيرات رقصن، ومنهن من جمعن بين الثقافة والفن، مثل كاريوكا التي كانت امرأة فكر وسياسة، ورغم ذلك لم تقدم أي منهن برنامجاً تلفزيونياً، واكتفت بموقع الضيفة . فهل سما المصري أكثر ثقافة منهن كي تقدم برنامجاً ثم تؤسس قناة؟
شبعنا ابتذالاً ومتاجرة بعقول الناس . كلنا نحتاج إلى الترفيه، لكننا أيضاً نحتاج إلى الإعلام الذي ضاع بين راقصات وممثلين وممثلات عاطلات عن العمل، وقنوات يتحكم أصحابها بإرادة الجمهور وملامح الحقيقة . ولا ننسى طبعاً شبابنا الذين يحتاجون إلى فرص لإثبات الذات وفي أيديهم شهادات موقعة من كليات الإعلام . هؤلاء بإمكانهم أن يقدموا الترفيه كما يجب أن يكون، وال "توك شو" والبرامج الحوارية وغيرها . . على الأقل سيجتهد كل منهم ليأتينا بجديد ولا يكتفي بالجلوس على كرسيه متكئاً على نجوميته وشعبيته .