2014/02/26
فؤاد مسعد- الثورة
شيخ الكار .. هكذا يطيب للكثيرين أن يطلقوا عليه ، قدم عبر مسيرته الطويلة العديد من الأعمال التي حفرت لها مكاناً متقدماً في الذاكرة الجمعية لدى الناس ، وأعتُبر العديد منها أنه دخل ضمن سجلات كلاسيكيات الدراما السورية التي تشكل فيصلاً حقيقياً ونقطة علام في تاريخ الإنتاج الدرامي التلفزيوني السوري ،
قدم أعماله داخل وخارج سورية ، وهو اليوم يعكف على إخراج مسلسل اجتماعي معاصر بعنوان (القربان) ليكون حلقة من حلقات مسيرته الحافلة بالعطاء المستمر .. إنه المخرج المبدع علاء الدين كوكش ، الذي يقدم رؤاه الإبداعية عبر ما يقدم بكثير من الواقعية والصدق ليلامس من خلال أعماله أكبر قدر من المشاهدين .
حول جديده في (القربان) تأليف رامي كوسا وإنتاج مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني ، وعن شؤون فنية أخرى ، كان لنا معه هذا اللقاء :
ـ إلى أي مدى حرصت أن يضم (القربان) أشخاصاً من لحم ودم فنرى مشكلاتهم الحقيقية على الشاشة ؟
نعرض في المسلسل لأشخاص كانوا هم سبباً في الأزمة ، بالإضافة إلى تأثيرهم على أشخاص آخرين وجذبهم إلى عجلة الفساد واداخلهم في هذه الدوامة التي تزيد من تعميق الأزمة في المجتمع ، فنرى كيف يتحول انسان قد يكون شريفاً وعنصراً فعالاً في المجتمع إلى الجانب النقيض بسبب معطيات معينة موجودة في المجتمع .
ـ هل قدم العمل التبرير الانساني لهذا التحول بما يجعل المشاهد يتعاطف معهم ويبرر لهم تحولهم ؟
عندما نطرح هذه الفكرة لا نريد ادانة هؤلاء الأشخاص فقط وإنما ندين الظروف أيضاً ، فقد كانوا أشخاصاً جيدين ، وعندما تحولوا فعلوا ذلك لأن ليس كل انسان قادراً على المقاومة والمحافظة على اخلاقياته ومبادئه ، وأحياناً عليك الابتعاد عن الظروف التي يمكن أن تؤدي بك إلى الهاوية ، وبالتالي قدمنا نماذج مختلفة وهناك أشخاص صمدوا ولم يستطيعوا أن ينخرطوا في هذه العجلة .
ـ في ظل الأوضاع الحالية إلى أي مدى عانيت من صعوبة في اختيار الممثلين ؟
لا نستطيع الادعاء أن الأمور سهلة ، فقد كانت هناك صعوبات ولكن استطعنا التغلب عليها ، وعموماً دائماً يكون في العمل الفني صعوبات حتى في الظروف الطبيعية . ويدفعك ضيق الخيارات لأن تجد الحلول الملائمة لتتغلب على هذا الضيق ، فعندما يكون هاجسك تقديم عمل جيد يجب أن تجد الحلول ، وعادة تعترض العمل الفني مشكلة الممثلين حتى في الأحوال العادية ، فقد تضع في ذهنك فناناً معيناً لدور ولكن لا يتم الاتفاق بينه وبين الشركة لسبب أو لآخر . ودائماً هناك البديل ، وسورية مكمن طاقات ، ودائماً عندما نعمل كنا نرفد الطاقم الموجود بدماء جديدة ، وما يحدث اليوم هو الأمر نفسه ، فقد يكون هناك فنان خارج البلد أو لم يتم الاتفاق معه على الأجر ، وبالتالي دائماً هناك بدلاء ، وهذا ليس عندنا فقط وإنما هو أمر يسري على كل الأعمال في أي مكان بالعالم .
ـ هل يمكن القول إن غياب بعض الفنانين خارج سورية أدى إلى ظهور وجوه جديدة ؟
أدى وسيؤدي إلى ظهور وجوهاً جديدة ومتميزة تأخذ فرصتها في العمل ، وهنا أقول إن التلفزيون السوري كان هو من يصنع النجوم ولا يعتمد على النجوم الموجودين ، وهو الأمر الذي بدأ يحدث مؤخراً ، وبالتالي عدنا اليوم إلى الظرف الذي خلقه التلفزيون السوري في صنع النجوم ، وفي مسلسل (القربان) هناك اسماء جديدة ستكون نجوماً .
ـ تتحدث عن تشابه بين ظروف الأمس واليوم ، ولكن في ذلك الوقت ظهرت أعمال هامة ، فهل ظهرت اليوم تلك الأعمال الهامة .. أم أن الأمور ذهبت باتجاه آخر ؟
الخوف هو الذهاب باتجاه آخر ، والمشكلة هنا في القطاع الخاص فهمه الربح وكسب المال ، كما أن المحطات هدفها الأساسي الربح وجذب الدعايات .
ـ ولكن يحق للقطاع الخاص أن يعمل ويحقق الأرباح ، وهو نفسه من قدم أعمالاً غاية في الأهمية !؟
هذا صحيح ، ولكن الشرط اليوم أن شهر رمضان بات يشكل موسماً تجارياً للمحطات وللمعلنين الأمر الذي يؤثر على سوية ما يُقدم من أعمال ، في حين أننا لم نكن نعمل وفق هذا الشرط ، فكان يأخذ العمل حده من عدد الحلقات ، لذلك كانت هناك دراما مُحكمة ومتميزة هدفها تقديم عملاً فنياً درامياً جيداً ، ولكن المشكلة اليوم عندما تتجه للشركات الإنتاجية وتقدم لها عملاً من خمسة عشر حلقة فترفضه وتقول لك عد بعد أن تصنع منه ثلاثين حلقة ، وبالتالي باتت الأعمال كلها مقيدة لهذا الشهر ، وهنا الكارثة إذ تحوّل رمضان إلى موسم للربح ، وبات كل من يعمل لتقديم عمل في الوطن العمل يعمل ليعرض مُنتجه في رمضان .
ـ كيف ينبغي أن تتعامل الدراما مع الواقع ؟ هل من مهامها تقديمه كما هو أم تجميله أم تسلط الضوء على جزء منه .. ؟
وظيفة الدراما هي وظيفة الفن عموماً الذي له وظائف متعددة ، فالفن هو الحياة ، والحياة أكبر من أن تؤطرها ضمن إطار واحد . وأنا ضد فكرة أن العمل الفني ينبغي أن يحمل مقولات كبيرة ، فعندما يقدم العمل للناس متعة وجمال له وظيفة هامة شأنه بذلك شأن المسلسل الذي يقدم أفكاراً كبيرة ، فكل أنواع الفن لها وظائف مختلفة .
ـ كثرت في السنوات الأخيرة المسلسلات التي تتعرض لعالم المرأة .. كيف ترى هذه الظاهرة ، أهي تسير وفق الخط الصحيح لها أم أنها تبقى تحت سلطة (المانشيت الاعلاني) للتسويق ؟
أرى أننا مقصرين في هذا الاتجاه ، فما قدم من أعمال حول المرأة لايزال قليلاً ، وبرأي أن المرأة لديها مشكلات اجتماعية واقتصادية وبيئية .. وقضاياها تستحق أن تُطرح في العديد من المسلسلات . وقد أتيح لي تقديم أعمالاً من بطولة نسائية (البيوت أسرار ، أمانة في أعناقكم) وحققت ردود فعل جيدة حولها ، ولكن لإنجاز مثل هذه المسلسلات تحتاج إلى نص جيد يطرح القضايا الحقيقية للمرأة ، فهي لاتزال مغيبة في مجتمعنا ويقع عليها اضطهاد كبير أكثر من الرجل وهي مظلومة في تقديمها عبر الأعمال الفنية . وبشكل عام يمكنني القول أنني من أنصار طرح مشكلات المرأة في الدراما .. فالمرأة التي تهز السرير في يمينها تهز العالم في يسارها ، وبالتالي لها تأثير كبير في مجتمعنا .
ـ لنعد إلى الوراء قليلاً .. (أسعد الوراق) هذا العمل الذي بقي في الذاكرة والوجدان منذ عام 1975 ، برأيك ما هي عوامل بقائه حتى الآن ؟
برأي أن الصدق كان عاملاً أساسياً في بقائه ، فقد قدم نموذجاً من الشخصيات الذي هو أسعد الوراق ، الشخصية الضعيفة والمسحوقة التي تعيش على هامش المجتمع ، ولكن كان نبيلاً في أعماقه ومشاعره وتصرفاته ، فالناس أحبوا هذا الصدق في التقديم وشعروا أنه شخص منهم ، قد يرونه في أي مكان حولهم ، لذلك عاشت الشخصية في ذاكرتهم ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شخصية منيرة التي تزوجها أسعد الوراق فقد عاش الناس معها صرختها الأخيرة لأن فيها صدق فكانت صرخة احتجاج على ظلم المجتمع .