2014/02/07

قنوات الغدر الفضائية
قنوات الغدر الفضائية

 

مارلين سلوم – دار الخليج

 

 

تُعلِّمنا الحياة الكثير، لكن البعض يفضل أن يبقى "جاهلاً" وأن يغمض عينيه كي لا يرى ولا يسمع إلا ما يريده . ومما تعلمنا إياه التجارب، أن نرى العدو عدواً، ونحسب لخطواتنا كي لا نسقط في شباكه وخيوطه، لأنه يستخدم كل الوسائل غير المباشرة ليصل إلينا، ويحولنا إلى أداة مطواعة بين يديه، يديرها كيفما شاء ليطلق منها الرصاص على المجتمع الذي نعيش فيه . والعدو يضع عينيه على قنوات حققت الجماهيرية ليتمكن من خلالها من الوصول إلى عقول الناس وإقناعهم بطريقة غير مباشرة بمخططاته ومشروعاته، فيجد الأرض ممهدة له من دون أن يضطر إلى خوض معارك عسكرية، أو التحرك من مكانه للمجيء إلى أي بلد آخر .

القنوات الفضائية هي أهم الوسائل التي يستخدمها أي "عدو" لمهاجمة أرض يريد أن يسيطر عليها وعلى شعبها، مستخدماً الكلام لغسيل الأدمغة وتمرير كل الرسائل لمصلحته . ومن مكانه يتفرج على ردود الفعل، ويشهد كيف تتفجر الأوضاع ويشق صفوف الناس والشعب الواحد . وللأسف، هناك بدل القناة أكثر من واحدة عربية، سلّمت نفسها لتكون أدوات بأيدي "الآخرين"، وما زالت تشق الصفوف العربية بنعرات الطائفية، والتحريض على القتل والعنف، ومنح هؤلاء الحق والفرصة والشرعية للتمدد في الداخل، وزرع "الإرهاب"، وافتعال حروب .

ما هي تلك القنوات؟ الكل يعرفها ويعرف جيداً أن أشهرها وقعنا جميعاً فريسة له يوماً ما، عندما عبّرنا عن إعجابنا به وأسهمنا عن غير قصد في انتشاره، حتى اكتشفنا أنه خدع العرب جميعاً ليبث لهم السم عبر الهواء مباشرة، فيهدم الأمة عن بكرة أبيها ويضلل شعوبها ويفرّق فيما بينهم، بل يفرّق بين أبناء الشعب الواحد . كل ذلك لأنه سلّم نفسه للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية وللصهيونية العالمية، فسقط في شباكها وأصبح "بوقاً" - حتى لا نقول كلمة أخرى- لها .

في مصر ولبنان وسوريا وأكثر من بلد عربي إرهاب يضع المتفجرات في الشوارع ليقتل الأبرياء ويغتال الأمن والاستقرار، وعلى الشاشة قنوات تتنازع الخبر لتحيكه وفق مخططاتها وتُشبع المشاهدين تحليلات غير منطقية، تبرر الاعتداء من خلال تبرئة المتهمين فور حصول عملية الغدر، وتعمل جاهدة على إنكار كل التصريحات التي تشير بوضوح إلى القاتل الحقيقي، وحسبها أنها قادرة على طمس الحقائق بالأكاذيب، كما تفعل قناة تبنّت "الإخوان" إلى حد التوأمة معهم، فأصبحت محطتهم "غير الرسمية"، التي تحول القاتل إلى ضحية، ولا ترى القتلى الحقيقيين في الشوارع .

قنوات تزيد من جراح الشعوب جراحاً، وتشعل البارود على الهواء من دون مراعاة لأية مبادئ أو حسابات أو حتى مواثيق إعلامية "إن كانت لا تزال موجودة" . وقنوات تذهب إلى "العدو" بحجة أنها تنقل الرأي الآخر، أو أنها تحقق "ضربة" إعلامية وسبقاً صحفياً مهماً . أما الواقع فيقول إن القناة ذهبت إلى هناك بلا أي رادع، وقدمت شريطاً يخدم العدو وحده ويصب في مصلحته، وبكل وضوح .

هذه القناة للأسف لبنانية واسمها "إل بي سي"، والفقرة التي بثتها كانت تقريراً إخبارياً لمراسلتها آمال شحادة من داخل قاعدة عسكرية "إسرائيلية" في حيفا، حيث التقت المتحدث باسم الجيش "الإسرائيلي" للإعلام العربي، وتركته يقول ما يريد وينقل المعلومات التي يشاء، والتهديدات وما أكثرها .

لن نتوقف عند المضمون والرسالة وأبعادها السياسية، إنما نتوقف عند سماح المحطة لنفسها بأن تكون "بوقاً إسرائيلياً"، وفي خدمة هذا "العدو" الذي لا يرى إلا مصالحه ويستغل كل الوسائل لتحقيق أهدافه . فلماذا تكون المحطة اللبنانية "الطعم" الذي يصطاد به "الإسرائيلي" في المياه العكرة؟

هل حققت "إل بي سي" نجاحاً وسبقاً بهذا التقرير؟ هل خدمت بلدها؟ أم أن خدمة الأوطان لم تعد على خريطة كثير من القنوات؟ أليس الاستقرار الأمني والمجتمعي جزءاً من "الضمير الإعلامي" الذي يجب أن يتحلى به "أسياد" القنوات؟ حتى المحطات التجارية من المفترض أنها تضع حدوداً وخطوطاً تسير وفقها ولا تتخطاها، إلا إذا كانت تسعى عمداً إلى المتاجرة بالمحظورات التي نعني بها في هذا الوقت بالتحديد: الأمن والاستقرار .

"إل بي سي" خرقت المحظور بشكل مباشر، وقنوات أخرى تتستر خلف أصابعها وتخترق ألف مرة كل المحظورات، وتشوّه الحقائق، وتتجاهل القتلى الأبرياء، وتقلب الصورة كي تجعل القاتل ضحية . . نذكرها بالاسم؟ هي معروفة، ومشهورة، وتعرّف عن نفسها بأفعالها، ولا يجهل اسمها وهويتها إلا مَن أعمته "جاهليته" عن الحقيقة، واختار أن يمشي في ركب الضلال والتضليل ليصدق الأكاذيب، ويستمتع بأخبار "الإرهاب" والترهيب . وهو يرضى لنفسه أن يكون أداة بيد القناة، مثلما هي أداة بأيدي سياسة غريبة غربية، لها باع طويلة في تجنيد القنوات حول العالم لتكون "أدوات غدر" تطعن بها المجتمعات الآمنة أو الباحثة عن الاستقرار، لكنها تتمتع بكثير من الكرامة والعنفوان