2014/01/16
أمينة خيري – الحياة
ينددون به، لكنهم يتابعونه. يمقتونه، لكنهم يشاهدونه. يسهبون في ذكر سيئاته، لكنهم يحفظون ما يقول عن ظهر قلب. يلعنون الإعلام ويسبّون الحكومة، لكنهم يترقبون لحظة إطلالته.
مكالمات مسجلة لشخصيات معروفة تقدم ليلاً حصرياً على القناة الفضائية.
عبارات الشجب والتنديد تملأ الأثير المجتمعي. وبين العيب والحرام تتأرجح تعليقات الجماهير منددة بهذا المقدم الذي لا ينتمي الى خلفية تلفزيونية، ورافضة لفكرة بث المكالمات الهادفة إلى اغتيال معنوي ممنهج ومحدد لشخصيات عامة ثورية وسياسية وشبابية، ومطالبة بالكشف عن الجهات التي تقف وراء التسريب. وينفضّ الجمع ليعود كل إلى بيته حيث الاختلاء بالتلفزيون والتسمر أمام الشاشة في الوقت المحدد المعلن لفتح «الصندوق الأسود» مع مقدمات مطولة تصول وتجول حول مفاجآت رهيبة وحقائق فظيعة، وهو ما يدفع المشاهد إلى الاقتراب أكثر فأكثر من الشاشة والالتصاق بها أملاً في كشف المستور ورغبة في معرفة الممنوع. وفي الربع الأخير من الحلقة تأتي فقرة «الساحر» التي يطول انتظارها وتهفو القلوب إليها، ويسود صمت رهيب تُسمع فيه «دبة النملة» و «رنة الإبرة»، ويتسلل صوت الشخص المراد ذبحه والمطلوب اغتياله في مكالمة هاتفية مسجلة بدرجة رفيعة من نقاء الصوت، فيسعد المشاهد ممّنياً نفسه بسماع ما يندى له الجبين ويقشعر له البدن.
وعلى رغم أن غالبية المكالمات المسجلة والمسربة ليس فيها الكثير من الفضائح والأسرار، إلا أن مقدم البرنامج ينهي الحلقة نهاية درامية مغرقة في الإثارة مفرطة في الجدية واعداً المشاهدين بمزيد من هذه المتعة غير المسبوقة. وتدور الدوائر، وينطلق كل إلى حال سبيله اذ يتم إحياء وصلات التنديد، وإعادة بث روح الرفض الأخلاقي والذم المهني لمثل هذا التوجه الغريب والبرنامج العجيب والمصدر المريب للمكالمات الشخصية المسربة.
بعضهم يتساءل عن موقف مواثيق العمل الإعلامي، وآخرون يحذرون من أن مثل هذه الأفعال محرّمة شرعاً، وفريق ثالث يجد فيها ما يخالف ثقافة العيب والممنوع. لكن أياً من هذه الانتقادات لا يقف عائقاً أمام معاودة مشاهدة الحلقة المقبلة، وإعادة تحميل ما تعذر متابعته من حلقات سابقة، وعمل «شير» مع الأصدقاء و «لايك» لما يحملونه من مقاطع، ثم يُجمع الكل على افتقاد البرنامج المهنية وافتقاره الى الأخلاقية.
برنامج المكالمات الهاتفية المسربة لشخصيات عامة يراد اغتيالها معنوياً يشغل الرأي العام كثيراً، لكنه انشغال يستحق التحليل والدراسة. فمن الواضح أن الجميع يعلم في قرارة نفسه أن هناك شيئاً ما خطأ في تسجيل مكالمات لأشخاص من دون علمهم. لكن الواقع يشير كذلك إلى أن الجميع يحب، أو يعشق، أو يهوى، أو يتابع من باب العلم بالشيء كل ما يسرّب سواء كان أخلاقياً أو لا.
هي طبيعة بشرية تهوى النظر من ثقب الباب حتى وإن كان ذلك مرفوضاً، ما يستدعي تبييضاً للوجه وتساؤلاً عن مصير ميثاق الشرف في زمن لا مجال لكثير من الشرف فيه!