2014/01/15
مجلة لها
لم يقف عند بوابة التمثيل وإنما سعى لأن يعبّر عن مشروعه الإبداعي من خلال أكثر من منحى، فلجأ إلى الكتابة لتكون متنفساً آخراً يترجم من خلاله رؤاه وأفكاره... إنه الفنان الشاب يامن الحجلي الذي قدم مختلف الأدوار وامتلك طموحاً كبيراً سعى إلى بلورته عبر عمله الدؤوب وخوضه غمار الأدوار الصعبة، فأثبت موهبة أصيلة وقدرة صادقة على التنويع وعدم التقوقع ضمن إطار معين... معه كان هذا اللقاء:
- لننطلق من تجربة الكتابة التي تخوضها حالياً في «عناية مشددة»، أين تكمن خصوصيتها؟ وما ملامحها؟
إنها المرة الأولى التي أخوض فيها تجربة الكتابة، فأعمل على تأليف «عناية مشددة» مع السيناريست علي وجيه، وسيكون من إخراج المخرج أحمد ابراهيم أحمد. ويتناول المشروع معاناة المواطن السوري في ظل الأزمة راصداً يومياته.
فشكل العلاقات اليوم اختلف تماماً عما كان عليه قبل الأزمة، لأن ما يدور على أرض الواقع صنع علاقات جديدة. وعلى سبيل المثال أنت اليوم حذر أمام صديقك وأمام أخيك أيضاً، ففي المنزل الواحد قد يكون هناك خلاف بين الأخوة أو بين الأب وابنه لأن كل منهم تبنى موقفاً معيناً، كما أن علاقة الحب بين الشاب والفتاة بات لها شكل جديد.
وبالتالي وجدت أنها فكرة لا بد من أن نطرحها ونناقشها خاصة أنها كانت تداعب هواجسي منذ فترة طويلة. اقترحت المشروع على المخرج أحمد ابراهيم احمد فأحبه، وتكلّمت مع الكاتب علي وجيه الذي تحمس للموضوع، وقريباً سندخل التصوير.
- بدأت العلاقات تنحاز نحو «الوحشية» أو القسوة الشديدة حتى بين الأب وأبنائه، فكيف ستظهر هذا الأمر في المسلسل؟
هذا طرح أساسي في العمل، فاليوم فقد الموت هيبته في سورية، وعندما تسمع أن أحدهم مات بات أكبر رد فعل هو قول عبارة «الله يرحمه» وتواصل حديثك بشكل عادي، وهذا الأمر نناقشه في المسلسل، الوحشية والدم والقسوة مفردات العمل قائم عليها، لذلك ارتأيت أن نسميه «عناية مشددة».
المُحرّمات الدرامية
- ما المعالم الأساسية للشخصية التي تؤديها في المسلسل المعاصر الجديد «نساء من هذا الزمن»؟
أجسد شخصية ميار وهو شاب طموح ومن عائلة غنية، يسعى دائماً إلى إقامة مشاريع إنمائية في البلد.
ونلمس منذ البداية انتقاده للبطالة عند الشباب وللبيروقراطية. كما أن لديه ميلاً نحو التغيير. يتورط ميار في قصة حب مع إحدى السكرتيرات اللواتي يعملن عنده، ويكون لديها ارتباط مع جهة دينية معينة فتنقلب أحواله رأساً على عقب، حتى يصبح واحداً من أهم الشخصيات المعارضة وداعماً للحراك القائم، خاصة أن الأحداث تدور مع بداية الأزمة في سورية.
إلا أنه يقف ضد فكر الفتاة التي أحبها فهو علماني وليس مع الحراك الديني المتطرف. تتطور الأحداث ليُفاجأ بأن صديقه الذي يعمل عنده في الشركة كان يكتب تقارير ضده بأنه يخرج في تظاهرات، فسبب له مأساة كبيرة.
- كيف هي علاقة ميار بوالده الثري؟
ما يحدث على أرض الواقع حالياً شئنا أم أبينا أعطى العلاقات شكلاً جديداً. العلاقة شائكة جداً بين ميار ووالده، تلك العلاقة التي فرضتها الأحداث وكشفت حقيقة الأب وعّرته أمام ابنه، فهو شخص مندفع وصاحب رأس مال كبير لكن نرى كيف يحصل على هذا المال بطريقة غير شرعية، وهو شخصية فاعلة في الأحداث.
- وصِف العمل بأنه جريء، فأين نلمس هذه الجرأة من خلال الشخصية التي تقدمها؟
العمل جريء لأنه يلج إلى موضوعات كان من المحظور طرحها قبل فترة ، فمن المتعارف عليه أن هناك ثلاثة محرمات ممنوع أن تقترب منها في الدراما، وهي الجنس، والدين، والسياسة. ولكن يدخل «نساء من هذا الزمن» إلى هذه المحرمات.
- كيف يمكن التمييز بين الجرأة الحقيقية المطروحة ضمن العمل الدرامي والجرأة الفجة التي تهدف إلى التسويق؟
عندما نقدم حقائق حياتية ينبغي أن نقدمها ضمن قالب فني، لأن التلفزيون يدخل كل منزل ويراه الطفل والمراهق والأم والأب... وبالتالي لا بد أن نقدم الفن بأجمل صوره، وحتى القبح ينبغي أن يُقدم بجمال وأدب وذوق، وإلا فلماذا اسمه فن؟
واليوم نرى في الدراما كلا الوجهين، وللأسف أرى أن الموسم الدرامي الأخير كان رديئاً على المستوى الفني، لأنه بعد كل ما قدم فيه تستخلص خمسة أعمال جيدة فقط.
والمشكلة تبدأ أساساً من الطروحات المقدمة في النصوص، أي من الورق فهو العامل الرئيسي شئنا أم أبينا لأنه المادة التي تناقشها عبر العمل، وأرى أن العمل المتقدم فنياً ليس الذي يحوي صورة جميلة وإخراجاً مبدعاً وتمثيلاً رائعاً، وإنما الذي يضم فكرة مهمة ويكملها كل من الإخراج والتمثيل.
مما لا شك فيه أن هناك أعمالاً للبزنس ، فعلى سبيل المثال أرى أن مسلسلات البيئة الشامية أساءت إلى الذائقة العامة، لا بل أساءت إلى شكل الدراما السورية التي وصلت إلى الخليج وإلى المغرب العربي بأعمال معاصرة مهمة ولم تصل بالشروال والخنجر والعكيد وشاربيه!
- كيف تبرر التناقض بين ما تقولون وما تفعلون كفنانين، إذ تنتقدون أعمال البيئة الشامية ولكن في الوقت نفسه تشاركون فيها؟
في النهاية أنا ممثل وعندما أجد أن الموسم قائم على أعمال البيئة الشامية سأكون مجبراً على المشاركة فيها.
والسؤال، عندما يكون أمامك عدة أعمال معاصر سيئة، فأين ستذهب؟ ومن هنا أرى أنه من حقي الطبيعي المشاركة في عمل شامي أجده لائقاً إلى حد ما ويدخل بيوت الناس بشكل محترم ويطرح حكاية شعبية بشخصيات ليس فيها خدش للحياء أو اساءة.
وبالتالي أنا مضطر لأن اتجه إلى أفضل الأسوأ. ولكن عندما يكون هناك موسم درامي يحوي عشرين عملاً معاصراً تحاكي هماً حقيقياً وإنسانياً، عبر نصوص جيدة إضافة للتمثيل والإخراج، يمكن لومي إن ذهبت إلى عمل آخر.
ففي الموسم الدرامي الأخير عرض علي المشاركة في حوالي ثمانية مسلسلات لكني وجدت أن الأفضل لي أن أعمل مع مخرج متميز هو أحمد ابراهيم أحمد، فعندها تضمن أنه سيقدمك بطريقة لائقة بغض النظر عن نوع العمل.
وبالتالي وجدت أن مكاني في «زمن البرغوت» أفضل من مشاركتي في 15 عملاً معاصراً ليست بجيدة وفيها إساءة حقيقية إلى المتلقي.
المضحك المبكي
- كيف تصف تجربتك في مسلسل «وطن حاف»؟
كنت بطلاً في ثلاث حلقات وضيفاً في حلقتين، وهي تجربة أحبها كثيراً قدمتها تحت إدارة المخرج مهند قطيش، وهو ممثل وصديق، وأرى أن العمل مع مخرج ممثل فيه متعة حقيقية لأن همه الحقيقي يكون الممثل داخل الكادر، وأجد انه سيكون مخرجاً قادماً بقوة، فما أنجزه في العمل نال متابعة عالية من الناس.
- اعتمد العمل على الكوميديا السوداء، فإلى أي مدى اندرجت الشخصيات التي أديتها في العمل ضمن هذا التوصيف؟
هذا ما يدفعني لتوجيه الشكر للمخرج، فقد تناقشنا مطولاً في اللوحات التي سأشارك فيها، وكانت بالفعل خيارات ممتعة جداً بالنسبة إلي ووُفّقت فيها. فقد قدمنا «المضحك المبكي» وكان النص الذي كتبه كميل نصراوي جميلاً جدا، ويمكنني القول كممثل أتى من خلفية أكاديمية ودرس بدقة عالية شخصية تشيخوف الذي كتب بعمق عن مأساة الانسان الحقيقية، أن نص «وطن حاف» فيه جو تشيخوف، تلك المياه الراكدة التي لا تعرف ما تحتها، فالنص دار ضمن هذا الفلك وهذا الممتع فيه. فقدمنا شخصيات كانت قمة في البساطة ولكنها تحمل في داخلها براكين من الهموم والآلام والوجع.
- ما مدى صعوبة تأدية الشخصية المضحكة المبكية؟ وهل تحتاج إلى أدوات تعبير مختلفة؟
هذا يتبع مخزون الممثل الحياتي والبصري والاجتماعي والبيئة التي نشأ فيها، فمن المفترض أن يكون لديه مخزون كبير جداً من الأفراح والأتراح، وكان هذا أساس دراستنا الأكاديمية، فعينك هي أداتك الأساسية التي تخزّن من الحياة، ويظهر المخزون من خلال عملك.
ومثل هذه الشخصيات برأيي من أصعب الشخصيات التي يمكن أن تجسدها، فمن دموعك تخلق حالة من الاضحاك، هذا الأمر بحاجة إلى مخزون كبير وإلى ذاكرة لها علاقة بذاكرة بصرية وانفعالية، وتقدمها وتصيغها من خلال الشخصية التي تقدمها. وكان مسلسل «وطن حاف» يحوي مجالاً كبيراً للعب ضمن هذا الإطار، والمخرج كان يعي هذا الأمر وقد ظهرت تفاصيله على الشاشة...