2014/01/15
محمد الأزن – الأخبار
حين كانت «دمشق عاصمة الثقافة العربية» عام 2008، ألزمت محافظة دمشق التجّار بكتابة أسماء محالّهم باللغة العربية، حتى لو كان الاسم التجاري أجنبياً. أدى هذا الأمر إلى تحوّل بعض تلك الأسماء إلى نكاتٍ حقيقية. لكن لم يخطر في بال أحد عودة تلك الفكرة بعد سنوات «فايسبوكياً» عبر مقترح قدمته فتاتان سوريتان، تحت عنوان «معاً لتحويل الأغاني العاميّة إلى الفصحى».
المقترح الذي قدمته شروق وبراء سلوم كان عبارة عن حدث تم إنشاؤه على الفايسبوك يوم 11/1/2014، وبدأ الأصدقاء الافتراضيون بالتجاوب معه عبر تحويل أغنيات عامية شهيرة إلى اللغة الفصحى. في البداية، لم تتجاوز القصة طابع النكتة الطريفة، إلا أنّ انتشارها بين روّاد العالم الافتراضي من السوريين واللبنانيين بدا مذهلاً. في غضون أيام، تجاوز عدد مَنْ جرب حظّه في ترجمة أغنيته المفضلة إلى الفصحى 28 ألفاً، ما دفع الأختين سلوم إلى تحويل الحدث الفايسبوكي إلى صفحة مكرّسة للغرض ذاته بعد يومين تقريباً، وقارب عدد المعجبين بها خلال يوم واحد ثمانية آلاف.
تقول شروق لـ«الأخبار» إنّ نجاح الحدث أذهلها، إذ لم تتوقع وأختها كل هذا النجاح للعبة بسيطة اعتادتا معاً اللعب بها في البيت، بتحويل شارات برامج الأطفال، وأغانيها إلى اللغة الفصحى، إلى أن اقترحت براء إنشاء حدث مخصص لها على الفايسبوك.
لم تخفِ شروق سلوم أنّ خلف فكرة المرح والتسلية هذه، تكمن رسالة تريد الأختان تمريرها مفادها «التذكير بأهمية لغتنا الأم وجمالها في مواجهة طغيان العاميّة عليها، وخصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الاتصال الحديثة». تقول شروق إنّ «تغيير كلمات الأغنيات إلى الفصحى ليس انتقاصاً من قيمة مخزوننا التراثي والشعبي من الأغنيات باللهجات العاميّة المحلية، بل لأنّ الأغنية هي الأقرب إلى إيصال الفكرة للناس».
لكن في النهاية، كشفت عملية تحويل الأغنيات إلى الفصحى عن ضعف مخزون البعض في المفردات العربية، مقابل موهبة آخرين في تقريب المعنى بين العامية والفصحى. والمضحك أنّ الكثير من الأغنيات تحوّلت إلى نكاتٍ شديدة الطرافة لأنّها ببساطة فقدت معناها مع عملية التحويل هذه.
المحاولات الأكثر اجتهاداً وتكراراً كانت في تحويل أغنية هيفا وهبي «بوس الواوا» إلى الفصحى، ومنها ما كان على هذا النحو: «انتبه إلى الوجع، قبّل ذلك الوجع، دع ذلك الوجع يلتئم. عندما قبّلت ذلك الوجع، رأيت ذلك الوجع، أصبح ذلك الوجع منتهياً».
أما الترجمة النهائية لأغنية «ترشرش» إلى الفصحى، فلا تخطر في بال. لنقرأ معاً: «الحرف الثالث من اللغة العربية الأبجدية، الحرف الثالث من اللغة العربية الأبجدية، انثر الماء. انثر الماء. لبست أجمل بنطال موجود لديها، وقد أصبح قلبي مجنوناً بحبها، ألمس الألماني، ألمس الألماني، ما أجمل نظرة هذه العيون كأنها تشبه عيون الغزلان، ألمس الألماني، ألمس الألماني». وربما وصل تألق اللغة عند مترجم أغنية عاصي الحلاني الشهيرة: «هل رأيتَ طوال حياتك، باباً يجهشُ بالبكاء والنحيب» (أغنية «عمرك شفت شي باب عم يبكي). لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ وصلت ترجمة أغنية «كبدبد» لملحم زين إلى ما قد لا يصل إليه خيال كاتبها قط لتصبح «استنشاق استنشاق. عناق عناق. ولن أشبع من حبيبي وإن بقيت كل عمري بقربه. اسمه اسمه أروع نغمة. أحبه كثيراً ولا تحبّه مثلي والدته». طبعاً، لم توفر محاولات الترجمة روائع فيروز، منها بحسب المترجم: «كم كان هناك أناس على المفرق تنتظر أناساً آخرين، ويهطل المطر ويحملون المظلة، وأنا في أيام الطقس الجميل، لا أحد انتظرني».
وما زالت المحاولات حثيثة لابتكار مرادفات عربية، لأغنيات عاميّة، بعضها شكل وجداننا على مدى أجيال، وسط تأكيدات من أصحاب الفكرة بأنها من أجل المرح فقط، و«إعادة إحياء اللغة العربية قليلاً في ما بيننا». والأجمل من ذلك ربما أنّ الصفحة ألهت السوريين عن حروبهم الفايسبوكية الطاحنة، على خلفية تعليق أو رأي سياسي، ليغرقوا ولو للحظات في متعة اللعب على الكلمات ومعها. وربما يصح هنا قول شاعر دمشق نزّار قبّاني «وخلاصنا في الرسم بالكلمات».