2013/12/16

"سينما المرأة" نظرة مختلفة لقضايا شائكة
"سينما المرأة" نظرة مختلفة لقضايا شائكة

 

باسل عبدالكريم – دار الخليج

 

 

الحراك النشط للسينما العربية ضمن أروقة مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يحتفي به في دورته العاشرة بعرض ما يقارب 100 فيلم، يكشف عن نشاط نسائي في صناعة السينما بدأ يخرج للأضواء، يمثل بحسب القائمين على المهرجان نسبة 40% من الافلام العربية المشاركة . ولأهمية سينما المرأة أعلن المهرجان في وقت سابق تعاونه مع مهرجان "الفتيات يؤثرن في عالم السينما" لتقديم جائزة مهرجان "دبي السينمائي الدولي" للمخرجات الشابات، من طلبة الاخراج في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا عن افلامهن القصيرة، والتي تعرض قضايا نسائية حول العالم، بهدف تعزيز مسيرتهن المهنية وتطوير مواهبهن السينمائية . في السطور التالية تجارب بعض الاعمال، ورأي مخرجيها والنقاد حول "سينما المراة" .

المخرجة زينة دكاش تلخص في فيلمها "يوميات شهرزاد" معاناة المرأة السجينة من خلال قصة نساء سجن بعبدا اللبناني عميقاً في تجاربهن الذاتية، معبّرات عن صعوبة حياة المرأة في مجتمع تحكمه العقلية الذكورية، من خلال تحضيرهن وتقديمهن لأول عمل مسرحي داخل أسوار سجنٍ نسائي عربي .

دكاش تعتبر، ظهور المرأة في صناعة السينما كرد فعل على الكبت الذي قضى مضجعها طويلاً، فهي تتحدث في فلمها عن سجينات قاتلات أزواجهن، ولكن تلك لم تكن الجريمة الاولى، فقد ارتكب بحقهن جريمة أخرى منذ ان زوجوهن بعمر 12 عاماً .

أما فيلم "أرق" للمخرجة ديالا قشمر، فعالج فيه المفارقة بين الالتزام والفوضى، والشجاعة والخوف، والايديولوجيا والانحراف، والشهامة والعنف، من خلال خلية شبان مهمشين، يطلق عليهم تسمية "زعران حي اللجا"، يرسمون ملامح شارع شعبي في بيروت، يكشفون النقاب عن عالمهم الغامض الذي يحمل في طيّاته خصوصيّة إشكاليّات وتعقيدات الواقع في لبنان .

في ذات السياق، تسلط مخرجة فيلم "شلاليط تونس" كوثر بن هنية، على ظاهرة التحرش بالنساء، حيث يتجول رجل مجهول على دراجته في شوارعها، ينادونه "الشلاط" ويحمل شفرة يضرب بها أرداف أجمل النساء اللاتي يمشين على أرصفة المدينة .

المخرجة سلمى الطرزي، تذهب في فيلمها "اللي بيحب ربنا يرفع ايده لفوق" الى واقع ابعد من الدائرة التي تحيط بواقع المرأة في مصر، من خلال موسيقا المهرجانات الشعبية، حيث لم تكن تحظى باهتمام واسع من قِبل جمهور الموسيقى السائدة، لكن بعد الثورة المصرية أصبحت موسيقى المهرجانات الشعبية فجأة هي الموضة الجديدة .

تعالج المخرجة، سارة اسحاق في فيلمها "بيت التوت" مسيرة البحث عن الهوية والمحافظة عليها من خلال قصة الفتاة اليافعة سارة التي لم تعد تطيق العيش تحت ضغوط الحياة في اليمن، فقررت وهي ابنة لأب يمني وأم اسكتلندية أن ترحل إلى اسكتلندا، حيث تعيش والدتها . كان لوالدها شرط وحيد هو أن تحافظ على هويتها اليمنية، وهكذا قطعت وعداً وهي في السابعة عشرة من عمرها لم تدرك مدى صعوبة الالتزام به، فلم تقوَ على الوفاء به . تعود سارة إلى اليمن بعد 10 سنوات من رحيلها، وقد أصبحت شخصاً آخر، فهي لا تريد الرحيل، بل مستعدة لمواجهة كل ماضيها وإعادة الارتباط بجذورها، لكنها تجد عائلتها وبلدها على حافة ثورة .

وفي فيلم "حبيبي بيستناني عند البحر" للمخرجة ميس دروزة، تسلط الضوء على قصة عودتها الأولى إلى وطنها فلسطين، حيث تلتقي حبيبها . دروزة، توافق على انه ثمة حراك انثوي في صناعة السينما، وتقول: هناك زيادة ملحوظة في عدد النساء المخرجات، ولكن من الصعب تحديد الاسباب، ما اثق به ان المرأة المخرجة تهتم بتفاصيل القصص التي تتناولها مثل: فيلم هالة لطفي "الخروج الى النهار"، لا اعتقد انه بامكان الرجل النجاح في ذات التجربة . لافتة الى انه دار نقاش طويل بينها وبين احدى صديقاتها المخرجات من المانيا حول قضية السينما النسائية، وتساءلن هل المرأة تدخل السينما من باب الإحساس؟ ولكن الاجابات كانت مشوشة وغير واضحة .

وفي قالب درامي، تقدم المخرجة ليلى مراكشي، بمشاركة كوكبة من النجوم العرب، قضية شائكة، تدور احداثها في صيف طنجة، حيث يجتمع أفراد العائلة بعد وفاة الأب . ستتصاعد العواطف تدريجياً مع استبدال "مايوهات" السباحة بالجلابيات، ووصول الأخت الصغرى صوفيا من نيويورك، التي تعمل ممثلة في الولايات المتحدة، وقد استقرت في حياة جديدة بعيداً عن عائلتها . وبينما يبدأ النظام الذي صاغه الأب في السابق بالانهيار تدريجياً، ترغم نساء العائلة على مواجهة بعض الحقائق المرة .

تقول مخرجة فيلم "طيور أيلول" سارة فرنسيس، إن رد سينما المرأة تبدو الهم الشاغل للجميع، فمنذ أسبوع كنت أشارك في إحدى مهرجانات كوبنهاغن السينمائية، وكان الجميع يتساءل عن سينما المرأة، وأسباب ظهورها بقوة في عالم صناعة الفيلم، واعتقدت أن المسألة عابرة، ولكن أن تظهر ذات الاسئلة اليوم من خلال مهرجان دبي السينمائي، فهذا دليل على أن هناك حراكاً نسائياً سينمائياً، قد تقف وراءه العديد من الأسباب منها تحرر المرأة، وسهولة صناعة السينما بالمقارنة مع الدعم الذي كانت تحتاجه في السابق .

الناقد السينمائي، عبد الستار ناجي، أوعز النشاط الانثوي في صناعة السينما، الى مساحة الحريات التي بدأت تعطى لها في مختلف الصعد . ويقول: تفعيل دور المرأة في السينما هو انعكاس لحصاد سنوات سابقة من القمع والظلم وفقدان العدالة، عندما كانت مكانتها على الشاشة مختصرة بأدوار الغواية والإغراء أو الفتاة العاملة والجاهلة والعنيدة . مؤكداً أنها الأكثر تنوعاً في عناصر التمثيل السينمائي .

المخرجة العراقية، آلاء شاكر، المشاركة في المهرجان بفيلم "هذه ليلتي" قالت: أنامل المرأة موجودة في صناعة السينما منذ زمن طويل، ولكنها اليوم بدأت بالظهور لأنها نالت المساحة والحرية للوجود في الأضواء، لافتة الى ان المرأة المخرجة هي الأقدر على الطرح الموضوعي لقضاياها، رافضة وصف سينما المرأة بالعاطفية، لأن الاخراج الانثوي متنوع، ضاربة مثالاً على الفيلم الكوميدي للمخرجة خيرية منصور "6060" .

تعدد المخرجة الفلسطينية جنان كولتر، عدة أسباب تقف وراء ظهور سينما المرأة، منها التكنولوجية التي وفرت أدوات صناعة السينما وجعلتها في متناول يد الجميع، إضافة الى ان المرأة تتناول في أفلامها قصصاً يمكن للجميع ان يعيها بسهولة . وتقول كولتر متسائلة: ذات مرة شاهدت فيلماً لمخرجة هولندية كانت تتحدث عن نعمة إنجاب وتجارب النساء المختلفة مع الأمومة، هل كان لرجل ان يعكس هذا الموضوع برؤية سينمائية أكثر منها؟ .

نيرمين سالم، مخرجة فيلم "أوضة الفيران" تسخر من وصول الاختلافات بينها وبين الرجل الى حد السينما، وتعتبرها وهمية مشيرة إلى أن الصورة العامة للسينما العربية تطالعنا على واقع يبدو فيه الجميع في وحدة متسقة متناغمة .

تقول المخرجة مي زايد، لا بد أن نحتفي بسينما المرأة، وهذا العدد الكبير من الأفلام والدول المشاركة مؤشر جيد لأهمية الصورة السينمائية التي تصنعها المرأة . زايد، تؤكد ان معظم الأفلام النسائية في جوهرها ذات طابع واقعي اجتماعي، وأن فيها دفاعاً مباشراً أو غير مباشر عن الحقوق .

المرأة من وجهة نظر المخرجة هند بكر، حاضرة على مستوى التمثيل والتشخيص بدرجة لافتة للانتباه بالمقارنة مع حضورها في المجالات الفرعية الأخرى للصناعة السينمائية كالإخراج والتصوير والمونتاج والإنتاج والكتابة .

وتضيف: لم تعد المرأة هاوية فقط بل أصبحت واعية ومحترفة فنياً في مجال الفن السابع، ومن الأشياء التي أسهمت في هذا الحراك النهوض الثقافي الذي اكتبسته المرأة من حضورها الورشات التدريبية في ميدان السينما، والتخصص العلمي في الجامعات العربية وإن كانت هذه الخطوة ما زالت خجولة بعض الشيء .