2013/11/04
علي صطوف – تشرين
لا أنصّب نفسي ناقداً أو قاضياً على أحد.. ولكنني وجدتني أمام مهنتي التي أحب، وعشقي يحكمني، متورطاً في قراءة سريعة لما غفلت عنه سنواتنا الماضية؛
فالسينما السورية ليست مدينة للملاهي يدخلها كل من أعجبه حال أن يجرّب نفسه كاتباً أو مخرجاً أو بحكم وظيفته في مؤسسة السينما... الخ، فطارت به جناحاه الشمعيتان إلى علياء الشمس فاحترق وأحرقنا معه؛ فالفيلم السوري لم يصنع لوضعه في علبة تُرمى على أحد رفوف المستودعات التي تأكلها الرطوبة..
الآن يأتي فيلم «مريم» بتوقيع مخرجه باسل الخطيب ليعلن برزخ العبور من الاستسهال إلى الجديّة, ومن المتاح إلى إطلاق العنان للموهبة الحقيقية والحرفة الاستثنائية, نعم هي صناعة وتحتاج شيوخ كار يتسيّدونها، وليس (صنايعية) يرمون شتات أفكارهم وأحلامَ يقظتهم في صالات ودور العرض السينمائية.
فعندما تذهب مؤسسة السينما في سورية إلى حدود أبعد مما كنا نتوقع منها؛ وعندما تقف أمام الصفحة الرئيسة في تشكيل هويتها التي كادت أن تفقدها على مدى أكثر من ثلاثة عقود مضت؛ طبعاً مع احترام بعض التجارب القليلة والمحصورة بما لا يزيد عن اسم واحد هو الفنان عبد اللطيف عبد الحميد- الذي قضى جلّ حياته الإبداعية في غرفة الإنعاش السينمائي؛ محاولاً الحفاظ على بقية رمق للسينما السورية.. ومع انتظار (جود سعيد) الموهبة الخاصة لمخرج يقرأ السينما السورية بعين العاشق الذي يريد لها أن تكون بأبهى صورها؛ فيقدّم كل روحه ليعايشها ويذوب فيها؛ أقول عندما تبدأ إدارة السينما السورية بكتابة أول حروف عنوانها على هذه الصفحة الرئيسة، هنا وفقط هنا، تكون قد أعلنت يقظتها من غيبوبتها التي كادت أن تودي بها إلى هاوية هي أشبه ما تكون بحالة الارتماء في أحضان التكرار.. بلى.. كفنان ومتابع ومتلق.. أراها بدأت يقظتها عندما أوكلت إدارة فيلم (مريم) لقامة فنية عملاقة من وزن باسل الخطيب؛ الذي لم يفاجئ أحداً بأنه صنع فيلماً فيه من التقنية واللون والحكاية والأداء ما يجعلنا نتفكر ملياً بأسئلة كثيرة؛ أهمها أين كنتم عن (إنسان فنان مبدع) قادر على إعادتكم إلى الوجود السينمائي العربي؛ إن لم نقل العالمي؟.. أين كنتم ساهمين وتائهين في دواماتكم المتعاقبة وسحابات صيفكم التي كانت تعصف بكم وحدكم ؟.. ومع ذلك لست عاتباً ولا لائماً.. أنا هنا فخور بكم لأنكم صحوتم ولو متأخرين قليلاً.. أنا فخور بمن كان قادراً على إعلاننا أبطال سينما وأبطال فن وأبطال إبداع..
باسل الخطيب سينمائي يستحقه المتابعون السوريون؛ وإبداعه دروس حريٌّ بنا مراجعتها كثيراً قبل الخَطو على أي من دروب المشهد الثقافي الفني.. باسل الخطيب فاصلة حقيقية لانتقالنا من مرحلة الهواة ممن يحبون الفن السابع؛ إلى مرحلة أكثر عمقاً وأكثر جدية؛ مرحلة المحترفين العارفين؛ كيف و أين تكون اللحظة الإبداعية حاضرة؛ وكيف تؤطر وجودنا على عرش نحن أحق به من غيرنا؛ عرش التميز).. شكراً باسل الخطيب لأنك أعلنتنا من جديد أحياء سينمائياً في وقت قلقنا فيه على أرواحنا الهشة من الغياب.