2013/11/01
أمينة خيري – الحياة
في جلسة سرية مغلقة، خطيرة مفعمة بالتخطيط المحكّم والتكتيك المتقن، يلتقي رموز الإعلام المرئي وجهابذة برامج المسابقات وخبراء اختيار المواهب لتقديم فكرة عربية فريدة ذات صبغة عالمية ترتدي حلة شرق أوسطية شهيرة. فبعد عقود من الجمود التلفزيوني العربي، وسنوات من الاقتباس الإعلامي المخفي، ودهور من الاستنساخ الإبداعي المتمركز في الأدمغة العربية، قررت كوكبة من الخبراء عمل نقلة نوعية فريدة والإتيان بضربة تلفزيونية عميقة، تنأى بنفسها هذه المرة عن تهمة النقل والتقليد، وتبتعد عن شبح السرقة والتعريب، وترتقي سلم المجد حيث التفرد والتنوع أن تبهر المشاهدين وتدهش المتابعين وتسعد الجميع.
وبعد قرون طويلة احتفظ خلالها العرب بحصرية الواقع الأليم، وخصوصية نظرية المؤامرة، وتفرد تربص العالم أجمع بهذا الجزء من العالم الذي يتركز فيه الخير ويتمركز فيه الإبداع، والتي منعها من الظهور وحرمها من البزوغ إما الغرب الحاقد أو الشرق الحانق، فكرت هذه الكوكبة في أن تنقل هذا الإبداع وتبث هذا الإنجاز الذي يمنعه آخرون على مدار التاريخ من أن يأخذ فرصته. هذه المرة، لن تتبارى أصوات شبابية لاكتشاف مواهبها الغنائية، ولن تتصارع البنات والصبيان لاستعراض حياتهم الخاصة وموهبتهم الإبداعية أملاً في الحصول على لقب عربي عبر واقع افتراضي منقول نقلاً لا مجال للاجتهاد أو التغيير فيه.
هذه المرة سيتصارع ساسة العالم العربي من أجل اكتشاف مواهبهم التي استعصت على الظهور، واستعراض ملكاتهم التي عجزت عن العرض، ومن ثم تنظيم مسابقات تنافسية عبر عروض فنية للمقارنة بين ملكاتهم واستعراض حركاتهم على أن يحسم الجمهور أمره فيختار أكثرهم إثارة وأغناهم موهبة ليحصل على لقب برنامج «ساسة غوت تالنت». وتتلخص الفكرة في أن يتقدم الساسة المحترمون ممن يستشفّون في أنفسهم ملكات مكبوتة أو قدرات مخنوقة أو مواهب مدفونة للالتحاق بالبرنامج حيث يتم اختيار أفضل المواهب وأكثرها قدرة على أن تنمي نفسها وتجود من نوعها، ويراعى في ذلك تمثيل عربي متوازن يشمل كل النحل والطوائف، والملل والمذاهب، والاتجاهات والصراعات، والمشاكل والإمكانات، إضافة إلى تغطية الدول تغطية عادلة، حيث يشارك الفقير منها والغني، المفعم بالصراعات والموعود بها، من أصابه الربيع ومن تحفظ عليه.
أما الشرط الأساس فهو أن يكون الرئيس أو الوزير أو السياسي أنيقاً مهيباً جامداً لا ينطق إلا بالحكمة ولا يفوه إلا بالموعظة ولا يصدر عنه إلا وعود براقة واستعراضات مذهلة لما تم إنجازه وتشبيهات بليغة لما سيكون عليه الوطن في ظل قيادته الحكيمة وتحذيرات سديدة من الأخطار المريبة التي تحيق بالجميع في حال سمح للخارج بالتدخل أو صدق المواطنون ما يقال من قبل أعداء الوطن. أما أن يرقص أو يغني أو يقلد صوت القطار، فهذا هو الجديد في «ساسة غوت تالنت» حيث جلسات متخيلة وتكتيكات مفبركة وأفكار لا تمت للواقع بصلة.