2013/10/27
راسم المدهون – الحياة
يستعير بعض معدي الدراما قصة من هنا وحــكايــــة من هنـــاك، وهنا وهنــاك يحدث أن يكونا تركيا أو المكسيك أو حتى فنزويلا، وقد ينجح المسلسل أو لا ينجح في جذب المشاهدين وتسليتهم، لكنه لا يتمكن من «تأصيل» نفسه. هو لا يستطيع والحال هذه أن يكون شجرة طبيعية تنتمي إلى مكانها الطبيعي. ولأن الدراما ابنة الحياة الواقعية بمكان وزمان محددين يصبح من المنطقي والمفهوم أن يرى المشاهد في الدراما صورته وصورة واقعه وحياته التي يعيشها كي تتحقق له «كيمياء» التواصل.
نوعا «الاستعارة» لم يتمكنا من أن يكونا طبيعيين، فلا الدبلجة من التركية جعلت «سنوات الضياع» يستقرُ في ذاكرة المشاهدين، ولا الدبلجة الأشهر عن الإسبانية - الأميركية اللاتينية تمكنت من دفعنا للحنين إلى «كاسندرا»، بل أكثر من ذلك فشل صنّاع هذا النوع من الدراما في محاولتهم الأخرى تقديم «ظاهرة» مختلفة من خلال قصة أو حكاية مسلسل أجنبي في قالب عربي وبممثلين عرب. هي معادلة بالغة الصعوبة لأنها معادلة الإبداع، ولأنها كذلك فهي ككل إبداع تقوم صعوبتها على البساطة المتناهية وعنصرها الأهم هو «الانتماء» بمعانيه كلها وأولها المكان والزمان كعاملين أساسيين في «دمج» المشاهد بالعمل وجعل المشاهدة طقساً طبيعياً لا يشبه الاستشراق ولا الاستغراب.
ولأن تلك الاستعارة لا تنهض على عناصر طبيعية فهي «تضطر» للبحث عن بديل في الإبهار الذي لا يخلو بدوره من غرابة وغربة عن المشاهد. وهي مسألة تحرم الدراما التلفزيونية من عنصرها الأهم أي التعايش بما هو تفاعل بين حياتين واحدة على الشاشة الصغيرة، والأخرى في البيوت الكثيرة التي يتابع أصحابها ما تعرضه تلك الشاشة.
لا عزاء هنا للمشاهد السياحية ولا حتى حكايات الحب البالغة السذاجة بوهم الرومانسية، فالمشاهد في الأحوال كلها لا يكف عن البحث عن كل ما يعنيه ويهمه، وما يعنيه ويهمه لا مكان له في تلك الدراما الغريبة عنه وعن نفسها.
وهذا النوع من الدراما «يثقل» مواهب الممثلين العرب الذين يجدون أنفسهم يؤدون أدواراً لا ملامح حقيقية لها، بل ولا تمتلك وهجها وعناصر جاذبيتها حتى لهم كممثلين لكي يكونوا قادرين على نقلها إلى أوسع قطاع من المشاهدين في البيوت.