2013/10/27
عبادة تقلا – تشرين
اعتادت الدراما التلفزيونية السورية أن تخرج علينا من وقت لآخر، بعمل تنسى فيه بعض الشخصيات جذورها، ثقافتها ودرجة وعيها، وتتحدث لغة هي في الحقيقة لغة كاتب ذلك العمل، وهو الأمر الذي بدا فاقعاً جداً في بعض الأعمال.
لكن الموسم الرمضاني ما قبل الأخير، تركنا مع عمل تجاوز كل الأعمال التي سبقته، وهو مسلسل «المفتاح- إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» فالعمل الذي وضع له السيناريو الروائي خالد خليفة أخرجه هشام شربتجي يكفي أن تتابع إحدى حلقاته حتى تشعر بالثقافة تنهمر عليك من شخصياته، وبالعبارات الأدبية تتطاير من حولك؛ فمؤلف العمل حوّل كل شخصياته، حتى من يقطر منهم الغباء إلى مثقفين، وأصحاب آراء فلسفية تعكس عمق تجربتهم وسعة مخزونهم!.
و قد وجد خليفة مبرراً لشخصيتين من تلك الشخصيات، الأولى هي شخصية الصحفي السابق أبو زهير، التي أداها فايز قزق، فطربنا ونحن نسمعه يردد: «كأن موعد موتي مرّ، ولم أنتبه»!. أما الشخصية الثانية، فلم ينجح الكاتب بإقناعنا بها، وبأن حلمها القديم بأن تصبح كاتبة قد بُعث من رماده، وسمح لها أن تجلدنا بفصاحتها؛ كما فشل في إقناعنا بأي خلفية ثقافية لصديقتها التي تفاجئنا من غير استئذان وهي تقول: «أنا الآن امرأة على قارعة الطريق»!!؟.
لكن ملك الفلسفة في المسلسل كان بطله الشخصية التي أداها باسم ياخور، والذي لعب دور «مسعود» الشاب الذي يفهم في كل شيء، فلم ير الكاتب مانعاً من جعله منظّراً كبيراً.. مسعود يقول وأصغوا إلى هذه الجملة الديكارتية: «لا تهرب من ماضيك، كي لا يأتي يوم يحاصرك وأنت على أبواب المستقبل»!؟. وذلك قبل أن يخرج علينا «مسعود» ذاته في حلقة أخرى بعبارة تنتمي إلى المدرسة الزمنية أيضاً: «لا يفيدنا الماضي عندما يكون المستقبل قريباً منا إلى هذه الدرجة»!!. لينتقل بعدها «مسعود-ياخور» إلى علم الاقتصاد ويربطه بمفهوم الحرية فيتحفنا: «النقود والحرية لا يلتقيان، إما الحرية أو النقود. أما عندما تأخذ النقود، فمن المؤكد أنك ستتخلى عن شيء من روحك»!!. أما حبيبته، أي زوجة «مسعود» التي وصف نفسه أمامها بـ«المستجد في الفساد»، بينما هي «ابنة فساد أباً عن جد»، فتستمع إلى تلك التأملات العميقة، فلا تجد نفسها إلا وقد انخرطت هي الأخرى في عوالم شريكها: حتى الحب نفسه لم نعد نصدقه.
فجأة ينضم إلى «زوجة مسعود» صوت نسائي آخر، تعاني بطلته من عشق زوجها للشراب، فتقول على مسامع أصدقائه جملة بغاية الشكسبيرية: «من فضائل المدمنين أن نساءهم لا يضيعونهم أبداً». وفي جلسة أخرى تقرر «زوجة مسعود-هاملت» أن «أي شخص لديه ما يخسره هو شخص جبان»!!.
قمة الحكمة النسائية في العمل تجسدها شخصية تبحث عن أي علاقة مع رجل، وتتساءل في لحظة تأثّر درامي عالٍ: «هل كل من يشترون شرفاء، وكل من يبيعون ساقطون»؟
و قبل أن تختتم سيمفونيات الشعر والحكمة، يطل علينا الممثل محمد حداقي، وهو يؤدي دور أحد كبار الفاسدين متذكراً حبيبته بنفس قصائد الشاعر الإسباني لوركا : «رائحتها تتمشى في رأسي»... و مع مشارفة العمل على النهاية يفاجئنا مؤلفه بمعلومة مهمة مفادها: «إن إحدى شخصيات العمل تقرأ كثيراً، لذلك لا تستغربوا أن تسمعوا منها هذه الكلمات: أنا أدفع ثمن جبني. الشجاعة تحتاج إلى محرض»!؟.
المضحك في الأمر أن أغلبية تلك العبارات قيلت بطريقة لا تشبه الشخصيات التي أطلقتها، ربما كي نتأكد أنها مجموعة حِكَم قدمها لنا المؤلف مجاناً في سياق العمل، لعلها تساعدنا في مشوار الحياة الصعب.!!