2013/10/09
هفاف ميهوب – الثورة
لم يَعُد من المُستغرب, وبعد أن رأينا الهجمة اللئيمة والاستفزازية التي شنَّتها بعض الفضائيات الناطقة بالعربية, لم يعُد من المستغرب أن نشعر بمقدارِ ما استشرى الحقد في تلك الفضائيات, إلى أن بلغ ذروته في منطقِ إعلامييها من مذيعين ومحاورين ومقدمي برامج ومراسلين..
نعم, لم يعُد من المُستغرب ذلك. لكن, أن يصل الحقد على سوريتنا حداً يبالغ بالخروج عن اللياقة الحوارية, فهو أمرٌ مثلما بات يثيرُ لدينا الاشمئزاز من هكذا إعلام. أيضاً, بات يثير لدينا الإحساس بمقدار ما تمكَّن منطق أخلاقنا من هزيمةِ صنَّاع وتجار وأُجراء الكلام..
كثيرةٌ هي البرامج التي تُعرض على هكذا فضائياتٍ, والتي اضطرَّني مضمونها لقول هذا.. كثيرة وبالغة الضلال في توجهاتها.. تلك التوجهات التي جعلت إعلامية مثل «ملاك جعفر» تخلع كل موضوعيتها وتعلقها على ال BBC القناة التي تبنَّت غاياتها, والتي أطلت عبرها و «بلا قيود», لتُعلن ومُذ قيامها بتقديم ضيفها المخرج السوري «نجدت أنزور» انحرافها مع أدواتها, وعندما عرَّفت عنه وعن أعماله بمفرداتٍ مثل «ديكتاتوري» و «تشبيح درامي» و «هبوط فني» وسوى ذلك مما اتَّهمته بعده بالانحياز ورداءة الأعمال, ودون أن تُفلح إلا في جعلنا نستغرب هدوء وحكمة «أنزور» الذي أدهشنا بقدرته على أن يكون أكثر قناعاً وجذباً وقدرة على احتواءِ حقدِ السؤال..
أما ما بدأت بتوجيهه من أسئلة, فكان عن «ملك الرمال» الفيلم الذي شرَّعته كسلاحٍ أرادت به طعن «أنزور» في عمقِ مكانته الفنية, ومن خلال أسئلةٍ تقصَّدت أن تُسخِّف بها مضمون الفيلم, وكذلك نوعيته وتقنيته التي اعتبرتها رديئة الحبكة الدرامية..
كل ذلك, لايمكن اعتباره إلا استهدافاً لمخرجٍ أبت محاورته إلا أن تتهمه بأنه لم يعد من مخرجي الصف الأول وبسبب أعماله الأخيرة التي منها «تحت سماء الوطن».. الدراما التي حكمت عليها أيضاً بالرداءة, معلنة أنه رأي البعض ممن لم ترهم أو نراهم إلا معلقين على ذمتها وناطقين بلسان نقمتها.. اللسان الذي حكم على أعمال «أنزور» بأنها باتت ذات خطابٍ موجّه ومدعوم من النظام السوري, وبأنه وضع كل أوراقه تحت طائلة التشبيح الدرامي..
إذاً, وبعد كل هذه الاتهامات, ألا يحق لنا التساؤل مع «أنزور», هل فعلاً غامرَ وعلى حدِّ سؤالها, باسمهِ ومكانته وأعماله وحياته وفقط لأنه دافع باستماتةٍ عن شخصٍ أو موقفٍ أو نظام؟..
أيضاً, هل وقف ضد بعض الفنانين ممن عارضوه الموقف والرأي, وممن اتَّهمته بأنه السبب في قطع أرزاقهم, وفي الوقت نفسه الذي يقالُ فيه بأنه يتقاضى أموالاً مقابل رأيه وموقفه, وسوى ذلك مما أرادت منه وضعه في موقع الاتهام؟.
أسئلة, لم يكن من الصعب أن يردها هكذا ضيفٍ على خيبتها وخيبة من وجَّهتها. أيضاً, لم يكن من الصعب على متابعٍ أن يُدرك بأن «أنزور» سيفحمها, وهو ماحصل عندما أبدى استعداده لدفعِ كل ماهو ثمين دفاعاً عن سوريته, ورداً للفوضى والعنف والموت الذي يحيط بوطنٍ لم يجد سوى النظام قادراً على حمايته..
أفحمها أيضاً, عندما أعلن وبجرأته, بأنه لم يقطع أرزاق أحد من الفنانين وإنما ساءه ألا يجيدون قراءة مابين السطور, وانسياقهم وراء الرأي أو الموقف المأجور.. بالإضافة إلى تأكيده على أن من يتقاضى المال ليس من بقي «تحت سماء الوطن» وإنما من ارتضى بأن يُتاجر بأرضه ويُغتصب عرضه, بل الذي لم يتمكن من تقديم ولو صورة تعكس خوفه على بلده, وممن يحاولون أن يصدِّروا إليها الحرية والحقوق وفي الوقت الذي يفتقرون فيه إلى أدنى معرفة لماهية وإنسانية هذه الحقوق..
نهاية, بالرغم من أن مقدمة «بلا قيود» كانت على درجة واثقة من قدرتها على تقييد كل ما كان قد امتلكه ضيفها وصولاً إلى الشهرة التي دفع ثمنها كل هذه الاتهامات, بالرغم من ذلك, تمكن هذا الضيف من فكِّ كل القيود التي حاولت مقدمة البرنامج إحاطته بها, والتي كان أبشعها مقاطعتها له بطريقة مثلما لم تفلح في تشويه مواقفه ومكانته وشهرته, لم تفلح أيضاً في إخراجه عن اتزانه وحكمة سوريته..