2013/08/18

«حدود شقيقة».. كوميديا قريتين في مسلسل واحد!
«حدود شقيقة».. كوميديا قريتين في مسلسل واحد!

 

لؤي ماجد سلمان – تشرين

 

 

على الرغم من عرض مسلسل «حدود شقيقة» على قناة «سما» الفضائية، إلا أنه لاقى تجاهلاً واضحاً من الصحافة السورية في هذا الموسم،

مع أنها كانت حريصة على مواكبة أغلب الأعمال التي أنتجت لهذا العام، لاسيما الكوميدية منها؛ مع أن العمل من أهم عدة أعمال شاهدناها، فالمسلسل الذي أخرجه أسامة الحمد، وكتبه حازم سليمان، يتحدث بقالب كوميدي ساخر عن قرية لبنانية «أم النور» وقرية سورية تدعى «أم النار» يتشاركان في الحدود الجغرافية، والمصير واحد في أغلب الأحداث، نظراً لمتاخمتهما للحدود التي فرضها الاستعمار بعد التقسيم الذي طال أجزاء كبيرة من الوطن السوري، وجعل لكل قرية عادات وتقاليد وزعامات خاصة بها، إذ يحرص العمل على تقديم رؤية داخلية لما يسلكه سكان كل قرية ومتنفذيها؛ بحيث يهدف كل طرف إلى فرض ثقافته وحياته الاجتماعية على الآخر، لدرجة تصل حد التنافس بين القريتين في كل مناحي الحياة، حتى نجد «حدود شقيقة» يقترب بإسقاطاته من الواقع السوري- اللبناني في مراحل معينة، رغم التحذير الذي يعرضه العمل كتابياً وشفهياً قبل كل حلقة من حلقاته: «العمل من الخيال، ولا يمت بشكل من الأشكال للواقع، وأن الشخصيات خيالية حتى أن المسلسل ينفي مسؤولية الكاتب والمخرج والمنتج والممثلين والجمهور عن أي إيحاءات سيكتشفها المشاهد، أو يراها قريبة من الواقع».

بالطبع يندرج هذا التحذير تحت رفع المسؤولية عن عاتق القائمين على صناعة العمل بطريقة كوميدية، إضافة لتنبيه المشاهد غير الفطن أن عليه أن يقرأ ما بين السطور، ويفهم الرسائل المشفرة التي يطلقها العمل، ولا يكتفي بانتظار ما يدغدغ ذائقته البصرية، فالعمل ليس للضحك والفرجة المجانية فقط؛ إذ استطاع «حدود شقيقة» أن يطرح عدة قضايا مهمة يعاني منها المواطن العربي عموماً، تندرج تحت الإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع تسليط الضوء على صورة الإنسان الحالم بعودة اليوتوبيا-«أحلام العقل» والنظريات الثورية التي لم نعد نشاهدها إلا من خلال بعض صور القادة الثوريين في بعض المقاهي القديمة، ونشاهد أيضاً معاناة الإنسان العربي البسيط الذي ما زال يحلم من دون أن يسعى لتحقيق أحلامه.. «الزواج، الحب، الاستقرار، المال» طارحاً كيف يتم التلاعب حتى بالحلم من قبل بعض تجار لا همَّ لهم سوى الكسب وزيادة الأرباح فقط، هنا نرى كيف يسيطر ويتحكم الفنان كفاح الخوص بشخصية «فاضل» المتنفذ والتاجر الفاسد في السوق؛ لتمرير صفقات مشبوهة من دون الاهتمام إن كان ما يقدم للمواطن العربي يصلح لحيوانات العالم الثالث، كما حاول نكز الصحافة العربية التي تتحكم فيها السلطات والحكومات، والتي يقتصر دور بعضها على التمجيد والإطناب للملك أو حاشيته.

نشاهد أيضاً في هذا العمل الشخصية التي قدمها الفنان باسم ياخور؛ ومع أن بعض شخصيات العمل شاهدناها سابقاً في مسلسلات كوميدية ناجحة؛ إلا أنه لم يقع في فخ التكرار، الذي وقعت فيه الأعمال الكوميدية الأخرى، وقدم كركترات جديدة وأفكاراً لافتة لم تطرحها الدراما السورية من قبل، إضافة إلى جرأة الطرح لبعض القضايا السياسية التي وظفها بشكل كوميدي ساخر، لاسيما موضوع الزيارات الدبلوماسية بين البلدان العربية، وموضوع تعدد الفرقاء في مجتمع «أم النور» الذي لم يكن مختارها «غابرييل يمين» قادراً على توحيدهم في رؤية اجتماعية واحدة، أو سيطرة بعض المتنفذين على مجريات أحداث بعينها لخدمة مصالحهم، كما نشاهد في العمل الحكمة المتجسدة في شخصية «مهران- أحمد الأحمد» الذي يبحث أحياناً عن شخصيات لا يشاهدها أهل القرية، تارة يريد الزواج وأخرى الاعتصام والتظاهر مع أهل القرية، فمهران هو الحكمة، المرآة التي تلازم مختار «أم النار» لدرجة أنه يضيق ذرعاً بها ولا يستطيع التخلص منها.

لم تقتصر الجرأة في العمل على دراما الجنس وغرف النوم والخيانات الزوجية كما شاهدنا في أعمال درامية أخرى؛ بل كانت تحاول الاقتراب أكثر من عتبات السلطة خاصة شخصية المختار الذي حاول مسح شخصية «جودة» من الذاكرة بقوة ومبالغة في الأداء والتفاعل مع الشخصية لدرجة الخروج عن النص، لاسيما أننا نشاهد خلال العمل قوة في بعض الشخصيات وضعفاً في بعضها الآخر؛ وكأن من قام بتوجيه بعض الشخصيات، غير المخرج الذي قدم لنا شخصية مختار «أم النار». اللهجة أيضاً والتي استغربها البعض في الحلقات الأولى، بدأ الجمهور يعتادها ويرددها وهي لم تكن منتشرة كاللهجة البقاعية لضيعة «أم النور» ولهجة منطقة وادي بردى لقرية «أم النار»، لكن ربما قعّر العمل بعض المواضيع وابتعد عن الواقع، لكنه استطاع في النهاية أن يقدم فرجة تلفزيونية لافتة من نواحٍ كثيرة، تعلق بعضها بصناعة الكوميديا، إضافة لتقديم وجوه جديدة للشاشة الفضية، لكن السؤال: لماذا لم يتم عرض «حدود شقيقة» على الفضائيات السورية بدل نماذج الكوميديا المستهترة التي فرضتها الرقابة على المشاهدين لثلاثين يوماً، مع أنه وببساطة يمكن لأي شخص بكبسة زر أن يتابع ما يناسب ذائقته الفنية؟.