2013/07/29

«زمن البرغوت».. دراما الأجزاء تكتسح الذائقة البصرية للمشاهد
«زمن البرغوت».. دراما الأجزاء تكتسح الذائقة البصرية للمشاهد

 

لؤي ماجد سلمان - تشرين

 

 

مع بداية الجزء الأول من مسلسل «باب الحارة» بقيت الحارات المغلقة تلاحق أعمال البيئة الشامية حتى هذا الموسم, فلم تستطع النصوص الخروج من الحارة الدمشقية أبعد من أسماء الشخصيات, 

 كل شيء مكرر من لباس, وديكور, ومكياج؛ حتى الشخصيات هي ذاتها لا تتغير نبرتها المتعجرفة المسترجلة, فـ«عقيد الحارة» هو سيد الرجال, الشهم الذي لا يقبل «الزايحة» وبشواربه المعقوفة يصير نصير الأرامل والمطلقات, والزعيم الحد الفاصل بين الخير والشر, الداعم لـ«حركات التحرر» من مخفر الحارة!. المرأة السورية المغلوبة على أمرها أيضاً هي ذاتها.. بأسمائها وعبوديتها المعهودة داخل حرملك الحارة على نحو..(زهرية, خيرية, فوزية, لطفية, الداية, حريم للخدمة, أرملة مكيودة؛ شريرة, ثرثارة) أما الأحداث الرئيسة فهي صندوق مصدف تركة المرحوم, إضافة لأمانة, الثوار, فرجال الحارة الدمشقية لا يتورعون عن سحب خناجرهم عند المساس برجولتهم ويضربون بكل قساوة بأصواتهم. إذ لا نجد أي تغيير في نمط الفكرة والشخصيات, أو الحوار, لدرجة أن المفردات والشتائم ذاتها, والنعوت النسائية على سبيل المثال لا الحصر هي: «الضرسانة, المأوصة, الحرنباية» ولا بد من وجود «بايكة, سبيل ماء, أرض ديار, جاطات فواكه, مناسف, وصواني المدلوقة والقطايف العصافيري، وطباخ روحه».

إن المتابع للجزء الثاني من مسلسل «زمن البرغوت» تأليف محمد الزيد, وإخراج أحمد إبراهيم الأحمد, يعي أن ما يشاهده رآه مسبقاً في أعمال أخرى من دراما أجزاء البيئة الشامية,  ثمة أيضاً شخصية «أم كعود» الثرثارة الشريرة؛ المرأة التي تجسد شخصيتها الفنانة لينا كرم في العمل هي شخصية «فريال خانوم» في «باب الحارة» على طول الأجزاء, وما همها إلا حياكة المكائد, وشخصية «أبوغالب» بياع البليلة التي جسدها الفنان نزار أبو حجر في باب الحارة, عاد ليجسدها في زمن البرغوت بعجرها وبجرها, باسم مختلف فقط, و«سلة قضامة» ولازمة مختلفة, وكل ما في العمل من مفارقات وتناقضات, بشخصياته السلبية والايجابية, من شهامة وكرم, أو شر وطمع نجده نسخة مكررة ممجوجة عن بقية الأعمال التي قُدمت سابقا, وما يقدم إلى تاريخه مجرد دراما مكررة مستوحاة من قاموس الأعمال السابقة, كـ«باب الحارة»، وطاحون الشر والأميمي وغيرها, كأننا نشاهد ظل ما شاهدنا سابقاً, وبتنا نتوقع ماذا سيحدث من دون عناء.

نعود لنسأل هل يمكن اختزال دمشق العريقة في حارة نشاهدها كل عام, أو حصرها ببعض المصطلحات البيئية العامة, وهل الزي هو من يحدد هوية المجتمع, من دون الاقتراب من حقيقة المجتمع بشكل واقعي وموضوعي, خاصة بعد أن استنزفت الفكرة وقدمت بشكل تاريخي واجتماعي وكوميدي بشكل لا يرضي المجتمع الدمشقي, ولا النقاد, ولا المؤرخين,. كلنا بات يعرف ويدرك لمن توجه هذه الأعمال, ومن المقصود فيها, ومن الجهات التي تدعم النصوص, وتمول الإنتاج, وباتت المحطات الفضائية التي تفرض الحدث والصورة مكشوفة ومعروفة من المجتمع والمشاهد. لكن لماذا نقبل أن نصور مجتمعاتنا بهذا الشكل المتخلف والمتزمت, ونقبل نكران حقيقة ثقافتنا العريقة, وتفوقنا فكرياً وحضارياً على بعض المجتمعات, ونُصر على ظلم أنفسنا وتضليل الأجيال الجديدة التي باتت تقلد الدراما بالعنترية وحمل الشبرية و«الكندرجية»..

 للأسف إن أعمال البيئة الشامية لم تعد تحظى برصيد جماهيري كما في الأعوام السابقة, ولم تعد تتبوأ صدارة الأعمال الدرامية السورية, ولا جدوى من تكرارها إلا المال مقابل ما تقوم به من تشويه لتاريخ دمشق المدينة الآرامية, إضافةً لتشويه «زمن البرغوت» صورة الأنثى الدمشقية, ودورها الفكري والإنساني والاجتماعي في مجتمعنا, وتقديمها لمجتمعات المناسف, والزفر, بصورة الأنثى الفاتنة التي لا تخرج من غرف النوم والحرملك وبيت المونة, أو أنثى ثرثارة, تقضي وقتها في الندب والنوح, ترضخ لتسلط وجهل الأب والأخ والزوج, هل باتت هذه الأعمال المشوهة ضرورة في كل موسم, أو أن ضرورتها من سهولتها, أو كما يقول المثل: (لاقيلي دوبارة, بلاقيلك دوشيش).