2013/07/20
عمر محمد جمعة – البعث
ما إن بدأ العرض الرمضاني السنوي للمسلسلات التي أنتجها صنّاع الدراما السورية لهذا العام حتى تعالت بعض الأصوات (المغلّفة بالغيرة والحب) على الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي والصحف والمواقع الإلكترونية الإخبارية، تستنكر الواقع الصادم والمشاهد الحيّة في بعض الأعمال للموت والقتل والدمار الذي تعيشه سورية منذ سنتين وأكثر، وتسدّد سهام الاتهامات السياسية بالانحياز أو التعصّب لطرف ما، والاتهامات الفنية بانحدار الدراما السورية نحو استنساخ الواقع وعرضه كما هو، أو بتواضع نصوصها الأخرى وهشاشة وسطحية مقولاتها!!.
ولئن كان الواجب يملي علينا أن نحترم جميع الآراء التي قيلت هنا وهناك، وننظر إلى بعضها بكثير من البراءة، عدا تلك التي نزّت منها سموم الاستهداف الشخصي وقيح الرغبة في تقزيم تاريخ الدراما السورية واختزاله عبر أحكام ورؤى ضيّقة ولاسيما –بكل أسف- من بعض من عملوا في هذه الدراما والآن تحوّلوا إلى أبواق عمياء ومريدين أذلاء على موائد شيوخ وأمراء النفط لنسف منجز وطني استحق ثناء الشعب العربي وانتزع إعجابه من المحيط إلى الخليج على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، غير أننا نرى أن الأمانة والاختلاف الخلاّق يقتضيان أن ندعو بعض الأصوات (الواعية فقط) للحوار والمناقشة بكثير من الحب والمودة والاحترام، جازمين أن ممكنات الحوار مع أصحاب هذه الآراء والرؤى قد تفضي إلى تجنّب الوقوع في فخ التضليل والتنظير والأحكام المتسرعة والآراء المعلبة الجاهزة، والتخفّف ما أمكن من ثقل وتداعيات معارك مجانية هدفها الأول والأخير التشويش على الدراما السورية لغايات يعرفها من يدفع إلى إثارة وتأجيج نيران هذه المعارك.
نعلم جميعاً أن الدراما هذا العام والتي أنتجت نحو 25 مسلسلاً وصوّرت معظم أعمالها في سورية، عاشت حالة من الرهان والتحدي والإصرار على إبقاء عجلة الإنتاج مستمرة، وبات العاملون فيها كتّاباً ومخرجين وفنانين وفنيين كمن يقبض على الجمر ويغامر بوضع عنقه على نطع الإرهاب والتكفير، ولأجل ذلك كلّه فإن الأحكام المتسرعة وكيل الاتهامات والانقضاض المبكر على الحلقات الأولى من أعمال هذا العام، وخاصة تلك التي عاينت الأزمة الحالية من زوايا مختلفة وفتحت بوابات التأويل والاختلاف، تعدّ جحوداً واستخفافاً بهذا الجهد واستجابة مقصودة وربما غير مقصودة لمن يريد التشويش وتشويه الدراما السورية، وفي الوقت ذاته الذهاب إلى حقول ومساحات بعيدة جداً عن الموضوعية والعلمية.
إن الاختلاف حول الفن ورسالته وكيفيّة أدائها والقناعات المضمرة فيها هو مسألة ضرورية جداً، والتباين في الذائقة والتلقي والتفاعل مع العمل وحكايته ومقولاته وشخصياته أيضاً قضية صحية تنمّ عن مستوى الوعي الاجتماعي السائد بين الناس، لكن أن يستفيض البعض في أحكامه حدّ الهستريا والتطرف ويطلق الآراء جزافاً وعلى عواهنها ودون دليل مقنع، فإن الاختلاف هنا لم يعد اختلافاً واعياً ومسؤولاً، بل مهاترات لا هدف لها لا يغفرها حتى لو كانت مغلّفة بالغيرة والحب.
ودعونا نسأل بكل بساطة وصراحة لمن أعلن وجاهر حقاً بغيرته وحبه للدراما المحلية: ما الضير في أن يكون الواقع بحرفيته وقتامته وبشاعته نواة العمل الدرامي بعد كبح جماح الخيال وتطريز حواف الصورة، وإسماع الصرخة كما هي؟!.. ومن قال إن نقل الواقع كما هو يقلّل من سوية العمل الفني، خاصة وأننا جميعاً متفقون على أن وظيفة الدراما في مثل هذه الظروف والحرب التي تتعرّض لها سورية تسليط الضوء على الجانب الإنساني الاجتماعي دون غيره، حيث لا تسمح سخونة الأحداث وتسارعها والمترافقة مع الأخطار بالتمدّد أكثر من ذلك ورصد ما يجري بدقة خلف سحب الدخان والضباب.
أخيراً.. يمكن القول: إن الدراما السورية التي ابتكرت لغة درامية جديدة وقدمت نجوماً وفنانين من سويات ومستويات مختلفة، وأدهشت المشاهد العربي في صورتها وإمكانياتها الفنية العالية، واستحوذت على همّه واهتمامه تستدعي منا ألا نسدّد سهام الاتهام لها من غير محاكمة موضوعية ومسؤولة، وأن نحبها ونغار عليها فإن هذا مبعث سرور، لكن أن تكون غيرتنا وحبنا وليد لحظة غير محسوبة جيداً وصدى لدعوات حق يراد بها باطل، فإن التنبيه أصبح أمراً واجباً وفرضاً قسرياً وبتنا أكثر قدرة على الصراخ: شكراً لكم أنقذونا من كل هذا الحب؟!.