2013/07/08
سامر محمد اسماعيل – تشرين
تسجل الدراما السورية أنماطاً مختلفة من الشخصيات التي صدّرتها كنماذج جديدة في سياق المسلسل التلفزيوني، مراهنةً على جودة أداء الممثل السوري الذي استطاع أن يقترب من يوميات الناس وهواجسهم الحقيقية،
ولعل أهم الكاراكترات التي قدمتها هذه الدراما-«على الأقل ما بقي في ذاكرة المشاهد» كانت شخصية الأعمى التي تصدى لها الفنان الراحل هاني الروماني في تسعينيات القرن الفائت عبر شخصية «الشيخ هديبان» في مسلسل «هجرة القلوب إلى القلوب» وشخصية «الشيخ علي» التي قدمها الفنان «فايز أبو دان» في مسلسل «خان الحرير».. ولئن اعتمد كل من «الروماني وأبو دان» على خلفية الأداء الشعبي لشيخ الجامع الحلبي، أو شخصية أعمى الحارة الشعبية، فإن مفردات هذا النوع من الأداء ظلت تنهل من معين الذاكرة القريبة لمساكين الأحياء الفقيرة والنائية، دراويشها وعرّافيها المتكئين على عصيّهم وسلاطة ألسنتهم.
بالمقارنة بين الدورين السابقين والأدوار الجديدة لشخصية الأعمى سجل الفنان «عبد المنعم عمايري» في مسلسل «ظل امرأة» تصوراً مغايراً لهذا النوع من الشخصيات التي شكلت تحدياً حقيقياً لأدوات الممثل وحرفيته، واضعةً إياه أمام مغامرة جديدة من المشاعر والأحاسيس الخفية والدقيقة في آن معاً، وطريقة اللعب المغايرة التي وضب لها النص مناخاً خارجاً عن المألوف والمكتوب عادةً لهذا النوع من الشخصيات الصعبة، فالفنان عبد المنعم عمايري لم يعمد إلى هذا التنميط الحرفي لعميان بعصي ونظارات سوداء، بل ذهب نحو مفاجأة صاعقة لمشاهده عبر شخصية شاعر شاب يتعرض لحادث سير يغير مجرى حياته بالكامل، ليتصدى «عمايري» لشخصية «وائل السالم» ناقلاً لنا عالماً رحباً عن حياة العميان، عاداتهم، أسلوب عيشهم، طريقتهم في كسب الرزق، متنقلاً بين أسواق حلب ودمشق، جنباً إلى جنب مع الراحل الكبير «خالد تاجا» والفنان عاصم حواط.
على مستوى آخر, قدم الفنان «عمر حجو» شخصية الأعمى أيضاً في مسلسل «رياح الخماسين»، ورغم محاولة «حجو» تقديم كل ما لديه من الطرافة والشغل على الأداء النوعي للشخصية، فإن النص المكتوب لم يوفر نجاحاً جيداً ؛ فالعمى هنا يكتب بمستوى مختلف عما كتبه البرتغالي الراحل «جوزيه ساراماغو» في روايته الأشهر؛ المرح والسياحة لعميان في شوارع لا يرونها، لكن عصيّهم تحفظها عن ظهر قلب، لذلك لا مجال للمقارنة بين عميان الدراما وما قدمه آلبتشينو مثلاً في فيلم «عطر امرأة» أو شخصية الفتاة التشيكية العمياء التي قدمها الدانماركي لارسن فون ترير في فيلمه التحفة «راقصة في الظلام» إذ تبقى النصوص الكبيرة صاحبة السبق في تقديم ممثل مختلف، بل شخصية مختلفة، ليس العالمي أكثر قدرةً على ذلك، لكنه النص الذي يسوس ممثليه بإدارة مخرج يرى لعميانه درباً مديدة نحو متحف الشخصيات الخالدة..