2013/06/29
جوي سليم – السفير
في حلقتَي برنامج «كلام الناس» اللتين عُرضتا خلال الأسبوع المنصرم، خرج الإعلامي مرسال غانم عن طوره... لم يفعل ذلك في سياق تنشيط الحوار، بل جاء كلامه موجّهاً بشكل مباشر للمشاهدين، إذ قال: «بدّي قول للأولاد اللي عم يتسلّوا على المواقع الالكترونية يتضبضبوا ويروحوا يتسلوا بغيرنا. ومش نحنا اللي بيعلمونا كيف ندير حوارات». بهذه الجملة، ختم الإعلامي اللبناني فقرة خصّصها لمؤسس التيار السلفي في لبنان داعي الإسلام الشهال، خلال حلقة «كلام الناس» الاثنين الماضي.
وفي حلقة أمس الأوّل الخميس، استضاف غانم إلى جانب أهالي شهداء الجيش، الإعلامي علي حمادة والصحافي حسن عليق، والوزير مروان شربل، ليختم الحلقة بالطريقة نفسها، قائلاً إنّ «من ينتقد البرنامج، ينتقده بسبب وطنيته»، ويضيف بنبرة عدائية وهازئة، انّ الجمهور لا يريد إعلاماً مهنياً، بل إعلام «الزبالة». قد يكون تحديد المعايير الوطنيّة أمراً خاضعاً لوجهات النظر في لبنان، إلاّ إنّ المعايير المهنيّة تبقى ثابتة ومعروفة، وليست سريّة، أو حكراً على أحد. على سبيل المثال، يمكن لأيّ كان أن يطّلع على مبادئ إدارة الحوار عبر ملايين المقالات المنشورة على الإنترنت، أو في صفحات الميديا المتخصصة في الصحف الأجنبية، والتي لم توفّر بنقدها كبار المحاورين في العالم، من أوبرا وينفري إلى لاري كينغ. أو يمكن ببساطة مراجعة مقررات مادّة إدارة الحوار التي يتعلمها طلاب السنة الثانية في «كلية الإعلام» في «الجامعة اللبنانيّة».
من تابع مواقع التواصل الاجتماعي يوم الاثنين الماضي، قد يفهم الأسباب التي جعلت غانم يغضب من النقد الموجّه له عبرها. فالتعليقات الساخرة على فايسبوك وتويتر كانت تشكك بمهنيّة غانم، وحياده. أعنف التعليقات تزامن مع فقرة داعي الإسلام الشهال، إذ طغت عليها نبرة «متسامحة» في أسئلة غانم. وذلك ما دفع المعلّقين للتساؤل عن سبب تعاطي المحاور مع الشهال، كأنّه «تلميذ أمام أستاذه في المدرسة». كما تساءل آخرون عن سبب عدم سماح مرسال لضيفيه الآخرين، غسان جواد وميشال ألفتريادس، بالردّ على «كلام رجل الدين السلفي التحريضي على الجيش اللبناني». في المقابل، وخلال الحلقة نفسها، وضمن مداخلة مباشرة من صيدا لمراسلة «أل بي سي آي» ندى أندراوس، طلب منها غانم عدم الإجابة عن سؤال جوّاد عمّا إذا كانت قد شاهدت عناصر من «حزب الله» تقاتل إلى جانب الجيش اللبناني.
وفي حلقة أمس الأول الخميس، استضاف غانم أهالي شهداء الجيش، ليسألهم «لمن تحملون مسؤولية استشهاد أبنائكم؟» كأنّه يريد من عائلات لم تستفق من صدمة موت أبنائها بعد، أن توجّه اتهاماً سياسياً لطرف ما على الهواء مباشرةً. وبعد عرض تقريرٍ يظهر أهالي شهداء الجيش يبكون ويصرخون، تحدّث غانم عن استعداد بعض رجال الأعمال اللبنانيين للتبرع للجيش اللبناني! ربما يجهل غانم أنّ ذلك يقلّل من هيبة المؤسسة العسكريّة، ويخرج الحلقة عن سياقها الحواري، لتتحوّل إلى حلقة تبرّعات.
والحلقة ذاتها كانت بمثابة حوارٍ بين غانم و«علي بيك» ــ كما كان يناديه طوال الحلقة ــ وبين حمادة ونفسه. لم يُسمح لعليق بالكلام إلا نادراً، ولم يقل الأخير جملة إلاّ وتعرّض للمقاطعة من قبل المحاور والضيف الآخر. ولم يسمح غانم لعليق بالردّ على قول حمادة انّ «السيد حسن نصر الله هو أكبر تكفيري». في المقابل، وما ان قال عليق في قسمٍ آخر من الحلقة، انّ «تيار المستقبل يدعم ثورة تكفيرية في سوريا»، حتى انتفض غانم على ضيفه قائلاً إنه «لا يقبل بهذا الكلام لأنه يورّط البرنامج والتلفزيون». فلماذا يورّط كلام عليق البرنامج، ولا يورّطه كلام حمادة؟ ولماذا لا تعدّ استضافة رجال دين متطرفين وأشخاص يحرّضون على الفتن المذهبيّة توريطاً للبرنامج؟ وألا يعدّ الطلب من أهالي الشهداء تحميل مسؤولية سياسية لطرفٍ ما، توريطاً للبرنامج والمحطّة؟
يرى مرسال غانم نفسه فوق النقد، وأنّه على كل من يوجه له ملاحظة نقديّة من مشاهدين ومعلّقين أن «يتضبضب»، لأن المقدم المخضرم لا يحتاج لمن يعلّمه المهنيّة. كأنّ الاستهزاء بالمشاهدين الأوفياء لـ «كلام الناس» طوال سنوات، أحد الأصول المهنيّة، أو أنّ إعطاء مساحة لضيف على حساب آخر، التزام بمبادئ عدم الانحياز لرأي على حساب آخر.
قد يكون غانم أكثر مقدمي البرامج الحوارية نجومية في لبنان، لكنّه ليس أكثرهم مهنيّة. كما أنّ رفض النقد بالمطلق، بات أمراً من نسج الخيال، في فضاء افتراضي مفتوح، حيث لا يوفّر المعلِّقون أحداً، من رؤساء الجمهوريّات (مرسي مثالاً)، وصولاً إلى الفنانين ومقدّمي البرامج والصحافيين.