2013/06/27

أمنية المُعْدَم!
أمنية المُعْدَم!

ابراهيم حاج عبدي – الحياة

«لو كانت لدي إمكانية لأنشأت فضائية تمجّد الفن الراقي، وبخاصة السينما بتاريخها العظيم وحاضرها المغيَّب». هذه الجملة كتبتها تشكيلية عراقية على صفحتها في «فايسبوك». ويبدو أنها دوّنت هذه الأمنية في لحظة عابرة وفي منبر لا يعتدّ به كثيراً، غير أن فحوى الجملة تستحق التأمل والنقاش، ذلك أن جولة سريعة على «الأقمار» ستكشف أن معظم المحطات العربية لا تفتقر إلى المادة الإعلامية الجادة فحسب، بل تساهم في إشاعة الجهل، وتكريس التخلف.

هذا ليس كلاماً نظرياً نسوقه هنا، بل ثمة دلائل تبرهن على ما نذهب إليه، فالفضاء العربي يعجّ بمحطات منوّعة هابطة لا تقدم إلا الفن الرديء سواء في مجال الأغنية أو الأفلام أو تلك المخصصة لطرح أسئلة ساذجة ثم تستجدي الاتصالات الهاتفية. وثمة كذلك فضائيات دينية، لا تحصى، تقدم الاجتهاد والفتاوى والشريعة وفقاً لمرجعيات أصحابها، علاوة على فضائيات أخذت تتباهى بطابعها الطائفي والمذهبي، وكأن حال البلاد بحاجة إلى من يحرّض على التفرقة. وهذه الفضائيات الدينية لم تعد تستهدف الكبار فقط، بل راحت تتوجه الى الأطفال الذين سيسمعون قائمة من الأوامر والنواهي تفوق براءة خيالهم الغض الذي يجنح نحو لعبة أو تسلية بعيدة من هذه التعقيدات.

وقد يرد أحدهم بأن هناك فضائيات متخصصة في عرض الأفلام السينمائية، وهذا صحيح. لكن السؤال هو أي أفلام تعرض؟ هنا، أيضاً، لا نحتاج إلى كبير عناء لنكتشف أن الأفلام المفضلة لدى أصحاب هذه المحطات هي ما اصطلح على تسميته بـ «أفلام الموجة الشبابية المصرية» التي أغرقت عالم الفن السابع بأفلام تافهة بدءاً من عناوينها («حاحا وتفاحة» و«شورت وفانيلا وكاب»...) وصولاً الى مضامينها. والحال لا تختلف كثيراً مع محطات الأفلام الأجنبية التي لا تعرف، سوى نوع سينمائي واحد، وهو سينما الآكشن والمغامرات والبطولات الوهمية، وفي أحسن الأحوال تعرض ميلودرامات السينما الهندية.

نحن، إذاً، أمام مشهد فضائي قاتم يتأرجح بين «الخلاعة الهابطة والتزمت الصارم». بين هذين التوصيفين يمكن استثمار الفضاء على نحو مختلف، فلماذا لا تؤسس فضائيات خاصة بالسينما التي يصنعها كبار المخرجين، وتحظى بجوائز في المهرجانات، فيعرض الفيلم ويناقش مع عدد من النقاد؟ ولماذا لا تُقام فضائيات متخصصة في الفن التشكيلي عبر عرض لوحات كلاسيكية، ودراستها؟ وتطول قائمة الأمنيات لتصل إلى المطالبة بفضائية متخصصة في عرض الكتب، وأخرى في المسرح وفنونه ورواده، وثالثة مختصة بالموسيقى، ورابعة للأطفال عبر الاستعانة باختصاصيين في مجال سيكولوجية الطفل... هنا نعود الى أمنية التشكيلية العراقية التي لمّحت إلى هذا البؤس الفضائي بكلمات قليلة، لكن المعضلة أن من يفكر على هذا النحو لا يملك المال، ومن يملك المال ليس مستعداً أن يشغل نفسه بتفاهات من قبيل الثقافة والفن والسينما!