2013/06/21
عمر محمد جمعة – البعث
على غرار حكايات ومآسي الحرب والغربة والتشرد وألم اللجوء ومرارة النزوح ينسج الكاتب إلياس إبراهيم معالم وحكاية شخصية روعة في مسلسل "الهروب إلى القمة" التي أدّتها باقتدار الفنانة المبدعة جومانة مراد، إذ عمد إبراهيم، المعروف بمسلسلاته التي تتبنى القضايا الوطنية، من خلال شبكة العلاقات التي تحيط بروعة بدءاً من حصار بيروت، مروراً بهروبها إلى سورية وصولاً إلى قصص الحب والفشل التي عاشتها، إلى الإضاءة السياسية على ما جرى إثر الحرب الأهلية أو الغزو الصهيوني للبنان، وتحليل العلاقات الاجتماعية السائدة في تلك الفترة، سواء أكان في لبنان أم في سورية، وتأثير الحرب على هذه الشخصيات.
> ففي عام 1982 وبعد مقتل والدها برصاص القنص إبان الحرب الأهلية واختفاء حبيبها "فرج" مع بدء الغزو وانضمامه إلى صفوف المقاومة، تفرّ روعة من بيروت لتواجه كوابيس الاجتياح والجرائم الصهيونية وآلام التشتّت والضياع، ومن ثم كوابيس الناس الذين تفاجأ بهم، وتصدمها شخصياتهم المبنية على النفعية وحسب، إذ مع غياب القيم السامية وانحسار الفضيلة ووقوع حبيبها الثاني "سامي" ضحية القمار والسهر، وعدم اقتناعها الارتباط بالدكتور نبيل لاعتبارات شتى، يغدو العالم كله أفقاً مسدوداً في عيون روعة ولاسيما حين تكتشف أن من تقربوا منها لجمالها لم يكونوا إلا أشخاصاً أنانيين، لا تهمّهم إلا الرغبة وحب الامتلاك التي فتكت بالمجتمع كما فتكت الحرب بلبنان، وذلك كلّه يتبدّى من خلال تحرش المدير عاصم بها وإغوائها بالمال والذهب، ومحاصرة المحامي "أحمد مللي" لها وتساؤله عن سر ارتباطها برجل مريض والزواج منه ومن ثم موته وتالياً الانتقام منها واتهامها بقتله، وابتزاز التاجر "أبو فتحي" ومساومته لها، كي يسدّد ديون شركة زوجها الافتراضي الذي رحل تاركاً لها حملاً ثقيلاً من الديون والمسؤوليات، فضلاً عن همّ ولديه اللذين كرّست لهما ما تبقى لها من عمر، حتى ظهور فرج الحبيب الأول مرة أخرى، وانسحاب سامي لصالح هذا الحبيب العائد.
في "الهروب إلى القمة" يقدّم الكاتب إلياس إبراهيم شخصية مركبة، تعيش غربة وتغريبة فردية هي امتداد وصدى للتغريبة الجماعية، حتى تكاد بزعمنا تكون من أكثر وأهم الشخصيات التي يمكن أن يحفظها المشاهد والمتلقي، وترسخ في وجدان وذاكرة الدراما السورية وتاريخها الطويل، ولعلّ تلك الأهمية تبرز في أن إبراهيم استطاع أن يبني رواية تلفزيونية تتمحور حول شخصية "روعة" وتتعدّد فيها الجوانب الاجتماعية والسياسية والفكرية، وتحفل بقيمة سامية تبيّن ما معنى الانتماء إلى الوطن، وكيف يتلاقى الفساد السياسي مع الفساد الاجتماعي والإداري ليفسدا كل شيء، والذي تلخصه "روعة" بقولها لسامي "بلا إجازة استيراد دخل السلاح إلى لبنان وخرّبه".
على أن إفراط الكاتب في إسباغ المثالية على شخصية "روعة"، والذي تركزت الانتقادات حوله، يمكن اعتباره نوعاً من المبالغة المحمودة التي تحضّ على تمثّل القيم والسلوكيات والأخلاقيات وربما الواقعية التي واجهت بها "روعة" هذا الواقع المرير، وتجاوزت الكثير من الفشل والفقد والإحباط، وندرك أن إلياس إبراهيم هنا سعى إلى خلق هذا النموذج المثالي كرد على حالة التردي والانهيار الأخلاقي التي تصيب الناس أثناء الحرب.
“الهروب إلى القمة" الذي حمل توقيع شيخ مخرجي الدراما السورية محمد فردوس أتاسي صوّرت أغلب مشاهده في بيروت ومناطق لبنانية، ودمشق وطرطوس وبعض البلدات الريفية، كان مترعاً بالجمالية البصرية ولاسيما مشاهد "سامي وروعة"، بل هو إضافة نوعية لمخرج: جبران خليل جبران، تمر حنة، ثلوج الصيف، المحكوم، الطبيبة، البيادر.. وغيرها من الأعمال، بيد أن ما يمكن الوقوف عنده في هذا العمل أن أتاسي يستكمل مشروعه الإبداعي بالإشارة إلى أن الإنسان السوري لم يكن حيادياً في تفاعله مع الأحداث السياسية التي تعصف بالوجود العربي، وكما رصد تأثير الثورة الجزائرية في مسلسل "تمرحنة" على الوجدان السوري وتالياً العربي، ها هو يقدم قراءة مختلفة لما حدث في الحرب على لبنان ويقدم لنا عملاً كبيراً سيبقى خالداً في تاريخ الدراما السورية.
أخيراً..
نجزم أن إعادة عرض "الهروب إلى القمة" في هذه الآونة بالذات، إنما يدلّ على ذكاء وحسن التقاط قناة "سورية دراما" للحدث وتحولاته، والتأكيد على أن الترابط العضوي والجغرافي بين سورية ولبنان ليست مسألة آنية بل هي قضية حتمية تستدعي المحاربة للحفاظ على الترابط العضوي والوجداني الذي يحاول البعض اليوم كسره وتهشيمه لغايات ظلامية ماعادت تخفى على أحد.