2013/06/21
سامر محمد إسماعيل – تشرين
لا تغيب عن الدراما السورية أدوار الشر، فهي هنا محركٌ أساس لتشييد الصراع الدرامي، تلوينه وتدعيمه وحياكته في تواتر متدفق من الأحداث والرغبات والأفكار،
أساساً لا دراما من دون أدوار شر، شخصياً لست مع هذا التصنيف لأدوار الممثل، بين «أدوار خير» و«أدوار شر»، فالشخصية الدرامية لا يمكنها أن تكون شريرة فحسب، أو خيّرة فحسب، إطلاقاً، فهذا ما يفصل كتابة رديئة عن كتابة جيدة، لكون الشخصية الدرامية، بل الشخصية الإنسانية عموماً هي في النهاية محصلة هائلة من المتناقضات، لكن في الذهاب أكثر إلى أنموذج «أدوار الشر» التي قدمها فنانون من قامة الراحل هاني الروماني بدور «أبو طراقة» في مسلسل «الجوارح» و دور«الشيخ هديبان» في مسلسل «هجرة القلوب إلى القلوب»، والفنان رضوان عقيلي بدور «الصارم» في مسلسل «الأجنحة»، والفنان عبد الرحمن آل رشي بدور «الأزرق» في مسلسل «غضب الصحراء» سنشاهد تلك الأدوار المكتوبة بحرفية عالية وألمعية لافتة في صياغة «الشر» وتصديره إلى المشاهد، فدور الشرير هنا يفيض جمالاً وألفةً، كاريزما منقطعة النظير في توليف سيماء الشخصية، ونسجها وإبرامها كأنموذج نهائي لشرٍ مطلق، شر ميتافيزيقي، ما ورائي، شر غيبي، شر يجسد الشر، يمدُّهُ بطاقةٍ ساحرةٍ وغامضة، مفادُها أن الإنسان الشرير «غريب عن مملكة الأفكار» كما تقول الفلسفة الهندوسية، فهو- أي الشرير- «أسير خيمة المايا» والمايا هي الظواهر، الشرير مدفوع بغرامه للمادة، بإيمانه المطلق بأن ما من أحد بعيد عن مخططاته، عن أذاه، لذلك تبدو أدوار الشر في بدايات الدراما نسخة عن شخصية «ياغو» في مسرحية «عطيل» شخصية تفعل الشر من دون أن تعرف لماذا؟
«ياغو» يثخن قلب وضمير «عطيل» بالغيرة والكراهية لزوجته الحبيبة «ديدمونة» إلى أن يوصله إلى قتلها، وهي البريئة من كل ما حاكه «ياغو» عنها.
هكذا ينتصر الشر مدعوماً بالدسائس، يتربى داخل النفوس، منطلقاً من الصراع الديناميكي الداخلي للنفس البشرية، ليتفرع إلى صراع عمودي مع الغيب، وصراع أفقي مع الشخصيات الأخرى، هكذا نفهم سحر أدوار الشر وفاعليتها درامياً، خاصةً عندما نتذكر عبارة الفيلسوف اليوناني هيراقليطيس عندما قال «شخصية المرء هي مصيره» لكن ما هو غير مفهوم حتى الآن هو إصرار الكُتّاب الجدد في الدراما السورية على كتابة أدوار شر كاريكاتورية، فأشرار الدراما الجدد ليسوا مقنعين، لكونهم نماذج كرتونية عن أرباب السوابق والمشبوهين والمجرمين الصغار، أشرار بلا كاريزما، بلا مآرب، أشرار هزيلين، عنيفين بلا سببٍ يذكر، فأشرار «الخبز الحرام ورفة عين وغزلان في وادي الذئاب، والولادة من الخاصرة» هم على الأغلب لا يمثلون الشر كمادة ناصعة الحضور درامياً، بل هم أشرار تبعاً لمخيلة السوق ومزاج الفضائيات النفطية التي لا يرى فيهم كُتّابُها سوى زبائن دائمين لمرابع الليل والسجون المركزية.. أشرار بالوكالة.. أشرار وكأنهم أخيار، فهنا لا يوجد فارق واضح حسب الكتابة الدرامية الحقة، فأدوار الخير مثلها مثل أدوار الشر في دراما اليوم، كلاهما وظيفي، متطرف، وغير منطقي، كلاهما لم يقرأ على الأقل الكيمياء الغامضة للشخصية، وكلاهما نتيجة واحدة لأعمال رديئة لا تستحق الأسف..