2013/06/21
نجوى صليبة – تشرين
تعدّ السينما من أهم وسائل التوثيق وأخطرها، وسيلة لم نستطع استغلالها كسوريين خصوصاً وعرب عموماً على مدى سنوات طويلة.
ففي الوقت الذي يعكف مخرج إيراني على إخراج فيلم يتناول الأزمة السورية نأى بعض مخرجينا بنفسه عنها وكأنها لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد. وفي الوقت الذي يستغل الكيان الصهيوني أنواع وسائل الاتصال كافة - نخص بحديثنا السينما- لقولبة الحقائق وتسويق غاياته الاستعمارية نجدنا وقد وضعنا العصي في عجلات السينما وسلمنا عيوننا وعقولنا لسينما استعمارية أولوياتها قتل الفكر العربي وتشويه الحقائق.
السينما الصهيونية، بداياتها وتمويلها عنوان الأمسية التي قدمها الشاعر وكاتب السيناريو فايز بشير في ثقافي قرية امتان في ريف السويداء.
يقول بشير: «بدأت حكاية اليهود مع السينما منذ بدايات ظهورها عندما أخرج اليهودي جورج ميليه فيلم قضية دريغوس وتحدث فيه عن اضطهاد اليهود من قبل الغرب ثم توالت بعد ذلك الأفلام اليهودية ليتربع اليهود على عرش صناعة السينما في أمريكا التي تعد أكبر مصدر للأفلام في العالم».
لم يكتف اللوبي الصهيوني بسيطرةاليهود على هوليوود، بل عمل على إعادة برمجة العقول السينمائية بدءاً من الكتابة إلى التمثيل والإخراج برؤية عنصرية فانطلقت الأفلام التي تتحدث عن آلام وأمجاد الشعب اليهودي بدءاً من السبي البابلي قبل الميلاد وحتى الهولوكوست المحرقة النازية مستجدين العطف العالمي، أفلام يقول عنها بشير«لم تحظ بالمشاهدة المرتجاة سياسياً ولا حتى بالمردود المالي تجارياً لذا كان لابد للفن السينمائي الصهيوني من التأقلم بعدما استجد عام 48 حيث ارتداد عباءة القومية والابتعاد عن فكرة الآلام».
احتواء الاحتلال
دأب الاحتلال الصهيوني على طمس معالم الأراضي العربية المحتلة خصوصاً تلك التي تتمتع بتاريخ عريق وبأماكن أثرية لها مكانتها لدى العرب والمسلمين خصوصاً وتعدى ذلك إلى البلدان العربية غير المحتلة فشارك في سرقة آثارها، وكانت السينما بعد عام 1948أهم وسائلها لتحقيق هذا الهدف وأهداف كثيرة من خلال جعلها سلاحاً إعلامياً لاحتواء الوضع الاحتلالي الذي حدث وتزيينه أمام الآخرين ومد خيوط إلى ما يسمى بالخلفية التاريخية والجذور لكنها /وكما يقول الكاتب/ ظلت كفن تدور في حلقة مفرغة كخلوها من المضامين الإنسانية فكان النعش نصيبها هذه المرة أيضاً على الصعيدين العالمي والمحلي يقول:«لم تشهد دور العرض في العالم أفلاماً صهيونية ذات قيمة وبهذا المعيار لا نستطيع أن نقول: إن فيلماً أو اثنين أو أكثر صورت مشاهدها داخل الأرض المحتلة أو مولت من الرساميل الصهيونية أو مثل فيها واحد أو اثنان من الممثلين الصهاينة هي أفلام صهيونية فعلياً وإن كانت صهيونية واقعياً للصلة الحميمة بين من يعيش منهم على أرض فلسطين أو خارجها.
فشل السينما الصهيونية لأكثر من مرة دفعها إلى تبني منهج آخر للقفز نحو العالمية ألا وهو التوراة التي أصبحت في حد ذاتها وسيلة ارتقاء تتستر وراءها الصهيونية السياسية متحولة إلى صورة وصيغة أخرى متطورة من التجنيد. فقد أصبح الدين اليهودي كله مجنداً لخدمة السياسة ففقد معها المضامين القدسية. بعد حرب الـ « 67 » ونكساتها مثلت السينما الصهيونية فكرة البطل الاسرائيلي المعصوم الخارق صانع المعجزات الذي لا تثنيه العقبات، هنا يقتبس بشير بعضاً مما قاله يعقوب بات من دائرة السينما الصهيونية في ندوة أقيمت في تل أبيب «لقد عملنا أفلاماً قياسيةً من أفلام القتل»، وكان فيلم «سيناء» الذي قدمته ايلين آلدو–إيفان آنجيل نموذجاً حيث يصوّر الفيلم جموع الجيش الصهيوني في معارك سيناء إلا أن الأضواء تركزت على مجموعة لا تتجاوز عشرة أشخاص تأخذ على عاتقها القيام بمهمات الجيش كله بمواجهة القوات العربية المصرية والمواطنين العرب.
لقد أرادت الصهيونية تجنيد السينما لخدمة ايديولوجيتها في ايجاد شرخ بين الشعوب العربية والشعوب الأخرى ومحاولة استجرار التعاطف بين الصهيونية والشعوب الأخرى فأصدرت توجيهاتها بأن تكون الأفلام في هذا المنحى واستدعت بعض المؤسسات والفرق السينمائية لتصوير أعمال تأخذ هذا المنحى يقول بشير:«وصلت إلى الكيان الصهيوني أول هذه المجموعات الفرقة البولندية بقيادة الأخوين شاؤول واسحق بوتسن والمستوطن الذي يعيش في استراليا مردخاي نانسون وشكلوا شركة كولون السينمائية لتنافس شركة الكرمل في هذه الصناعة». يضيف: قدمت هذه الشركة أفلاماً صهيونية بامتياز منها فيلم «حتى طلوع الفجر»، تتلخص أحداثه في أن العرب ليس لهم وجود بالمعنى الحضاري بل هم بدو رحّل تنقصهم الخبرة القتالية والحضارة وغير واعين فكريا أو ذهنيا وأن اليهودي جاء إلى هذه الأرض نتيجة وعد الهي قدمه لهم «يهوه».
تجنيد التمويل
على خلاف سينما أصحاب الحق فإن مساعدات هائلة من مؤسسات متعددة تنهال على سينما كيان العدو لأن الموارد الخاصة ليس باستطاعتها تمويل «أفلام جادة» لذا تبنت إدارة تلفزيون هذا الكيان معظم العمل السينمائي واحتضنت أصحاب الرساميل الاقتصادية الكبيرة بعض هؤلاء كانوا قلة ما دعا الوزارات حسبما يوضح فايز بشير إلى تقديم العون للسينما على أن يكون لها بعض العائد من الأفلام مثل وزارة الأديان، وزارة التربية، وزارة الزراعة: «لقد رصدت وزارة الأديان مبلغ عشرة ملايين ليرة لكل موضوع سينمائي كما دعا رئيسان لبنك الاستثمار هما عدي أميري من حزب العمل واراهام شرير من الليكود إلى مزيد من السيطرة على السينما بربط المساعدات بالتوجهات السياسية والثقافية الصهيونية».
كما أدرك زعماء الصهاينة حاجتهم إلى أبواق دعائية خاصة من أجل الانتخابات فتوطدت العلاقة بين زعماء الصهاينة والسينما وحاول بعضهم استغلال الميزات والسمات السينمائية لتخدم أهدافهم ولم يتوقف الاهتمام بالسينما عند السياسيين بل تعداه كما يقول بشير:«إلى جنرالات العدو، حيث اجتمع رئيس أركان جيش العدو اسحق رابين قبل حرب تشرين التحريرية مع الفنانة الايطالية صوفيا لورين أثناء زيارتها لكيان العدو وحضر الاجتماع قادة من الجيش والموساد الصهيوني».