2013/05/29
مارلين سلوم – دارالخليج
من يحدد نجاح المغني؟ ووفق أية معايير نحكم على نجوميته ومدى إعجاب الناس به، هل وفق كثرة مشاهدته عبر مواقع التواصل وعلى اليوتيوب، أم مدى الإعجاب به وبموهبته وأغانيه؟
نحن في زمن “التضخيم” والمبالغة في كل شيء، حتى لم يعد للنجاح الحقيقي طعم ومذاق للتميز، ولم يعد للإبهار مفعوله السحري . فما أسهل أن تنطق كلمة “الملايين” اليوم: فلان يتقاضى ملايين، ينفق ملايين، يجني ملايين، معجبوه بالملايين، تكلفة برنامج أو مسلسل أو ألبوم ملايين .
من أين تأتي هذه الأرقام وكيف تتدفق بين أيدي الفنانين أوراقاً مالية تصل إلى ما يحاكي الخيال؟ كيف يصبح في رصيد أي هاو ومبتدئ في عالم الفن “ملايين” المعجبين والمشاهدين والمتابعين من كل أنحاء العالم؟
السر في “اليوتيوب” الذي يعطي الناس شهرة بالمجان، ويحلّق بأسمائهم حول العالم فيحصدون في ساعات وأيام قليلة أرقاماً خيالية من حيث نسبة المشاهدة، بينما عاش الفنانون الأوائل عمرهم كله، وقدموا عصارة مواهبهم وإبداعهم دون أن يحصدوا هذه الشهرة الخيالية . فهل كانت تحلم كوكب الشرق أم كلثوم وهي التي وهبت حياتها للغناء، فوصلت إلى دول محددة شرقاً وغرباً، أن تصل إلى الصين وترى مغنية من هناك تؤدي “أنت عمري” وترافقها فرقة عزف نسائية، كما نشاهد الآن على “اليوتيوب”؟ هل كنت ستعرف “ساي” المغني الكوري وتشاهد أغنيته “غانغنام ستايل” لولا “اليوتيوب”؟
دائماً هناك سر، أو الأصح “سحر” في بعض الأعمال الفنية يجعلها تحصد إعجاب الناس أكثر من أعمال أخرى قد تكون استغرقت وقتاً وجهداً أكبر منها . حتى أصحاب العمل الفني يُفاجئهم النجاح المبهر الذي يحققونه على غفلة، ولا يجدون تفسيراً واضحاً ومحدداً لهذه الشهرة المفاجئة . فمن هو “ساي” كي يحقق الملايين بين ليلة وضحاها، ويصبح المغني الأول في العالم بفضل أغنية واحدة؟ مجرد مغن أراد أن يسخر من شباب الطبقة البرجوازية، فقدم أغنية هزلية ساخرة، لم تشتهر عالمياً بفضل فكرتها وكلماتها وإنما بفضل لحنها والرقصة المميزة التي رافقت الكليب .
“ساي” أغرته شهرة “غانغنام ستايل” فسارع إلى تقديم أغنية ثانية بعنوان “جنتلمان”، حققت 200 مليون مشاهدة فقط في أول أسبوع من بدء بثها . وإذا أخذك الفضول لمشاهدتها فستكتشف أنك أمام نسخة متطابقة من الأغنية الأولى، بل هي نسخة مشوهة تدفعك إلى الاشمئزاز لما فيها من ابتذال وإيحاءات وقلة أخلاق بكل المقاييس . فهل هذا نجاح؟ وهل “ساي” أفضل من كثير من المغنين العرب الذين رفضناهم بسبب الابتذال في أغانيهم؟
لم تعد الملايين هي المعادلة الصحيحة للنجاح، ولا هي المعيار الحقيقي للفن والموهبة . الملايين ثمن لا علاقة له بالجوهر، بل يأتي كثيراً بما يتناسب والمظهر . أما نسبة المشاهدة، فهي معيار الفضول الذي يدفع الناس لرؤية هذا العمل أو ذاك، ولا تقيس نسبة إعجابهم به . ومن يتابع التعليقات المرافقة ليوتيوب “جنتلمان” مثلاً، يكتشف أن أغلبية الآراء ضده، وتنتقد المغني الذي يكرر نفسه . وهذا التكرار هو خير دليل على شهرة ساي “بالصدفة”، وعلى إفلاسه المبكر منذ عمله الثاني فقط، حيث لم يجد أي جديد يقدمه للناس، سوى محاولة إضحاكهم وجذبهم بحركات لاأخلاقية، وأخرى مستوحاة من المقالب الشبابية والكاميرا الخفية .
حتى الأذن تصبح في إجازة حين يأتيك أي مشهد مصور يتحرك فيه الأشخاص أكثر مما يغنون، وهو ما يعتمد عليه بعض المغنين في لجوئهم إلى الفيديو كليب، حيث يضمنون نسبة جيدة من المشاهدة، ويعتبرونها نجاحاً لهم وللأغنية، بينما النجاح الفعلي يعود لمصمم الرقصات ومخرج الفيديو كليب .
* * *
اليوتيوب يدمر أيضاً . فحين تتم سرقة فيلم، تجده معروضاً على “اليوتيوب” في اليوم التالي لافتتاحه في الصالات، فأنت أمام عملية تشويه تؤدي بالفيلم إلى الإفلاس المادي والمعنوي، خصوصاً أن البعض يقيس مدى نجاح الأفلام وفق إقبال الجمهور على شباك التذاكر . من هنا، يجب أن يتغير معيار النجاح، وأن تعتمد السينما على مقاييس جديدة لتحديد مدى نجاح عمل من فشله . والمعيار الأول والأخير يجب أن يكون “رأي” الناس في الفيلم لا مدى إقبالهم على مشاهدته سواء في الصالات، أو عبر اليوتيوب .
خذ مثلاً فيلم “سمير أبو النيل” الذي انتشر عبر اليوتيوب قبل وصوله إلى الصالات العربية، ويبدو واضحاً من خلال مشاهدته على الإنترنت أن هناك من “سرقه” عبر تصويره فيديو بالهاتف المتحرك، ونشره في اليوم التالي لانطلاق عرضه في مصر . طبعاً لا يمكن أن يعول صناع الفيلم على الإيرادات، لأن السرقة قضت على نسبة كبيرة من المشاهدة، خصوصاً أن النسخة مشوهة، ومتابعتها مملة . أضف إلى ذلك أن كل ما وصلنا من انتقادات لأحمد مكي، وما كتبه البعض عن ضعف الفيلم من نواحٍ مختلفة، يصب في الخانة السلبية ويؤدي إلى خسارة حتمية مادية وفنية لكل صناع الفيلم .
سواء تطور الزمن أم تخلّف، تبقى “السلالم” هي المعيار الصحيح للوصول إلى النجاح والثبات فيه، لا الصواريخ التي يركبها “فنانون” مستعجلون، فتحقق لهم “الملايين” في غمضة عين، وتهديهم الشهرة المؤقتة، قبل أن ترميهم دفعة واحدة من أعلى السلم إلى قاع النسيان .