2013/05/29
صهيب عنجريني – السفير
يشبه الحوار مع الكاتبة السورية ريم حنا رحلة تسلل خلف الخطوط الأولى، تتطلب من محاورها التحلي بصبر الصيادين، للحصول على إجاباتٍ تتجاوز الساتر الدبلوماسي. أمام الساتر تقول حنا للسفير إنّ مسلسل «لعبة الموت» الذي شارفت على إنهاء كتابته هو «مرحلة... وما زال لديّ الكثير لأكتبه». العمل من إخراج الليث حجو، وبطولة عباد فهد وسيرين عبد النور وماجد المصري، ومن المتوقّع عرضه في رمضان المقبل («السفير» 28/3/2013). تقرّ بأن جديدها المرتقب «يماشي النمط السائد حتى ولو عولج درامياً بشكل مختلف» وبأنّه ينتمي لـ«النمط التجاري»، لكنّ ذلك ليس مذمّة، فالدراما بتوصيف واقعي «مهنة أولاً وأخيراً». تؤكّد حنّا أنها واقعةٌ في غرام السيناريو المقتبس عن فيلم «النوم مع العدو» لبطلته جوليا روبرتس، والمأخوذ بدوره عن رواية بالعنوان نفسه للكاتبة نانسي برايس. «ليس غراماً بالإكراه... لكن قد يكون حباً بحكم العادة، فأنا أقع في غرام كل ما أكتبه».
تُعبِّر الكاتبة الفلسطينية الأصل عن حزنها العميق لحال سوريا اليوم. «أحسست أن روحي بحاجة إلى استراحة، وهذا تسبب إلى حد ما بخوضي تجربة «لعبة الموت»... ليس وارداً أن أكتب شيئاً عن الأزمة السورية في ظل واقع غير واضح المعالم، فأنا أحب أن أرى الأشياء بعين الصقر، هذا يجنبني السقوط في فخ القراءة الأحادية». وتضيف: «حاليّاً أعيد قراءة كل شيء، وهذا ضروري. خذ قضية الاجتياح الإسرائيلي لبيروت كما تناولتها في «رسائل الحب والحرب» (2007؛ إخراج باسل الخطيب). مع إعادة قراءة الواقع أشعر، أنني تناولتها من وجهة نظر أحادية، فقد كنت أرى بيروت من الخارج حينها».
ترى كاتبة «ندى الأيام» (2006؛ إخراج حاتم علي)، أن العالم العربي ما زال يتعامل مع الدراما من زاوية ضيقة: «ما زلنا مقيدين بفكرة «الدراما تعكس الواقع»، هذا مهم ونبيل، لكن أيضاً هناك دراما أخرى يجب أن نخوض غمارها». تعلن شغفها بالتجريب «أحب الدروب الغامضة التي تدعو للاكتشاف، وليس عندي رهاب النجاح والفشل». قادها ذلك إلى تجربة «ذاكرة الجسد» (2010؛ نجدة أنزور): «أغوتني الرواية حينها بسبب شهرتها، فقبلت التحدي، رغم أن التأليف أسهل بكثير من تحويل رواية إلى عمل درامي، خصوصاً أن تلك الرواية كانت سردية وذهنية، وتكاد تخلو من الحدث... حاولت الإبقاء على اللغة الجميلة قدر الممكن، لأنها البطل الحقيقي للرواية. قاربت السيناريو بطريقة سينمائية، لكن أسباباً إنتاجية حالت دون نجاحه».
تشرح رؤيتها لدور الكاتب: «التحدي الأبرز هو إيجاد الفكرة الجديدة، وهذه مرتبطة بالضرورة بطريقة معالجتها. المواضيع معدودة في الحياة منذ أيام سوفوكليس، لكنّ أسلوب التناول يُكسب المواضيع جدّتها». لا تنكر أنّ خلق التمايز بين شخوص السيناريو مهمة صعبة: «في «أحلام مؤجلة» (1992) ــ تجربتي الأولى ــ كانت جميع الشخصيات تشبهني، لكنني تعلمت مع الوقت أن أفصل نفسي عن الشخصية. صارت شخصياتي تتولى القيادة وأنا أتبعها. هذا الكلام ليس نظرياً، لكنه يحتاج حالة وعي تراكمي». وتضيف: «لست مع الدراما المتحيزة للكاتب، أحب أن تحتمل الدراما وجهات نظر عديدة، مثل الحياة، وعندما أكتب لا أتحيز إلا للقيم الجمالية. أحب أن أكتب بطريقة تقول للمتلقي: العالم أفضل وأنت لست وحدك». تستبق الشريكة في «الفصول الأربعة» (1999 ــ 2002) التعليق على تجربة الكتابة المشتركة بابتسامة حائرة، وتقول: «خضتُ تجربتَين مع أمل حنا ودلع الرحبي، ولا أدري إلى أي حد يمكن تصنيفهما تحت مسمى الكتابة المشتركة، فقد كانت الحلقات منفصلة متصلة. في المرتَين لم ننخرط في ورشة كتابة، كانت كلٌّ منّا تكتب حلقاتها بمفردها». وتحت ضغط الإلحاح تضيف: «لا أحب الكتابة المشتركة، أنا ضد الجماعية ومع ديكتاتورية الكاتب».
لكن لماذا يكاد يندر وجود شخصية سوداء بالمطلق في أعمال حنّا؟ تردُّ مستحضرةً شخصيّة مطر في «ذكريات الزمن القادم» (2003؛ هيثم حقّي): «أبحث عن الأبيض داخل أشد الشخصيات سواداً، أبحث داخل النفس البشرية كما ينقب عمال المناجم عن الألماس داخل الفحم، لا أحب الوعظ، فلست رجل دين ولا معلم مدرسة». تقرُّ حنّا بأن الحامل الأساسي لنصوصها هو الرجل: «أنا مو تبع حقوق المرأة»، وتضيف: «الكتابة ليست أن أكتب عن المرأة لأنني امرأة. يغويني تحدي أن أكتب الرجلَ كما هو. من قال إن الكاتب يمكنه فهم المرأة، والكاتبة تعجز عن فهم الرجل؟». تعلن رفضها لمصطلح «الكتابة النسوية» وتجدهُ وسيلةً للتعامل مع إبداع المرأة كأنه إبداعٌ «ذو احتياجات خاصة».
تتنبّأ ريم حنا بقفزة ستحققها الدراما اللبنانية بعد سنوات قليلة، مستفيدةً من تحولات الدراما السورية التي «تعيش أزمة، بطبيعة الحال، لكنها تفلح في إعادة تموضعها متجاوزة انعكاسات تلك الأزمة». تبدو متحمسة جدّاً للنص الدرامي السوري، وتعدد محاسنه: «استطاع أن يكون حقيقياً وواقعياً بدقة. النص السوري لا يتناول بطولة فردية، بل يحكي عن حالات جماعية. النص السوري حاول كثيراً أن يكون جزءاً من التغيير المجتمعي وبلورة الشخصية السورية». تضيف: «هناك محاولة دائمة في الدراما السورية للارتقاء بالنص التلفزيوني إلى حالة النص الأدبي، المشهد التلفزيوني إلى حالة المشهد السينمائي». ردُّ ذلك إلى أنّ «معظم المشتغلين في الدراما السورية دخلوا عالمها على استحياء، فمعظم صناعها جاؤوا من تجارب أرقى ثقافياً (سينما ـ شعر ـ أدب)، وكنوع من الاعتذار من ذواتهم ومن الأنواع الفنية حاولوا رفع السوية». فهل تعتبر نفسها واحدة من المعتذرين؟، تجيب بلا تردد: «نعم، فبدخولي عالم الكتابة الدرامية دخلت إلى مكان أقل. التلفزيون نوعٌ من الاستهلاك، هو حتى الآن لم يسمَّ الفن الثامن». تبوح بتوقها للكتابة الروائية، فـ «الرواية حالة أسمى، ووسائل التعبير لدى الكاتب في الرواية غير موجودة لدى السيناريست. خذ مثلاً الفيلم الشهير «عطر». لقد بقيت الرواية متفوقة عليه، رغم أن كاتب الرواية هو نفسه من حوّله إلى سيناريو». وكي تنغلق الدائرة يعيدنا الحوار إلى الأزمة السورية، فتؤكد حنّا أن وجودها في بيروت آنيّ، ومرتبط بمسلسل لعبة «الموت»، لا بحالة الموت الواقعية على الأرض السورية. تكرّر: «حزينة جداً بسبب ما يجري، وعائدةٌ قريباً إلى سوريا».