2013/05/29
مارلين سلوم – دار الخليج
نكتب عنه أو نصمت؟ هل إذا أبدينا إعجابنا بصوته نصبح منحازين ومحسوبين على جهة معينة، ونتكلم في السياسة؟ وهل أصبح المطلوب من أي مواطن عربي في أي بقعة من هذا العالم أن يكتم مشاعره وأفكاره حتى لو كانت مجرد إبداء رأي ببرنامج أو صوت وأغنية؟
فعلاً إنه أمر محيّر، بل إن أمر الشعوب العربية محيّر لأنها لا تعرف أن تفرح، ولا تعرف كيف تفصل الأمور عن بعضها بعضاً . الكل مشدود وموتور، ولا أحد يرى الأشياء بأبعاد بسيطة قد لا تتعدى حدود نغمة وأغنية . فقبل أن يتسنى لنا الكتابة عن برنامج “أراب أيدول” والمواهب التي نستمتع بسماعها كل أسبوع، وقبل أن يسمح لنا الوقت بذكر بعض هذه المواهب المميزة، قدم المتسابق عبدالكريم حمدان أغنية “قدك المياس” المشهورة وهي من الفولكلور السوري، وأعجب كل المشاهدين بقوة وجمال صوته . ولأنه ابن حلب الجريحة، قرر أن يكتب عن وجعه موالاً يبدأ به الأغنية، يعبر فيه عن آلام بلده وشعبه، ويبرز صوته وقدراته الفعلية كما هي، “عارية” من أي موسيقا أو تأثيرات مرافقة .
في تلك الليلة، أبدى الناس من مختلف الجنسيات إعجابهم بالصوت الواعد، واعتبروه مشروع نجم يجب أن يجد من يتبناه كي يكمل في الطريق الصحيح، وهو من المؤهلين بقوة لحمل لقب ال “أيدول” هذا العام . ولجنة التحكيم وقفت احتراماً وتقديراً وإعجاباً بالصوت وبالأغنية، وقال كل منهم ما قاله في مديح الشاب، واعتبره الفنان راغب علامة “سفير بلده” .
الأغنية التي أبكت كثيرين، وتجاوز عدد مشاهديها على اليوتيوب المليونين في أقل من ثلاثة أيام، اعتبرها البعض “نفاقاً” وتحدياً وإساءة، وصل إلى حد شتم المتسابق وتهديده، لأنهم نظروا إلى الموال بعين التمييز ولم يسمعوه بأذن تطرب للصوت الجميل وتتعاطف مع بلد مقهور .
هنا تتساءل: هل أحسب على هذا أو ذاك إن صفقت لمغنّ أو حتى مجرد هاو لم يخط بعد أولى خطواته في عالم الغناء والشهرة؟ لماذا تضيق بنا الأفق مع كل أزمة عربية، وتتداخل الأمور في بعضها بعضاً، علماً أن كثيرين لا تشغلهم السياسة طوال الوقت إلا بما ينعكس على حياتهم؟
بلا تحيز أو حسابات، اسمحوا لنا أن نصفق للشاب عبدالكريم حمدان على موهبته وإحساسه العالي بالأغنية، وقد أثبت أنه ليس مجرد مؤد . واسمحوا لنا أن نصفق لمواهب أخرى موجودة في البرنامج، تستحق أن ترتقي إلى مراحل التصفيات، وأن تكمل طريقها لاحقاً في عالم الغناء، منها مثلاً السورية أيضاً فرح يوسف التي تغني لأسمهان وتقدم أصعب الأغنيات وتجيد .
هذه المواهب “المتدفقة” هي أكثر ما يميز “أراب أيدول” عن غيره من برامج اكتشاف المواهب، وتحديداً هذا هو الفرق بينه وبين “اكس فاكتور” الذي يحاول أن يصنع من الهواة محترفين، ويبذل الكل مجهوداً لتدريب الشبان والفتيات، من دون أن يفلحوا في الوصول بهم إلى مرحلة “الإبداع في الغناء”، لسبب بسيط هو أن البرنامج لم يقدم من الأساس أي صوت قوي، وكل من تقدم له لا يتعدى حدود المتوسط والمقبول . الأصوات لا تُطربنا، ونحن أمام “مؤدين” فقط .
قبل اندلاع الثورات، كنا نعاني موجة “التصويت المنحاز” والذي يتيح لموهبة ما أن تتفوق على أخرى لمجرد أن أبناء بلدها يكثفون الاتصال لدعمها . وتراجعنا اليوم إلى حدود “الأهواء السياسية” والعصبيات الضيقة، فتجد من يرفض التصويت لفلان لأنه “قد” يكون من المنتمين للطرف الآخر .
هانت الأرواح، فجاء من يسمح لنفسه بتهديد الهواة والفنانين والمذيعين بالقتل، لأنهم “لا يقفون إلى جانب هذا الفريق”، أياً كان الفريق الذي يهدد، أو لأنهم لم يعلنوا موقفهم السياسي بوضوح ويلتزمون الصمت .
الفن وسيلة للترفيه، أو رسالة تحمل روحاً مجردة من أي تطرف أو عنصرية، فهل أصبحت النكتة تهمة، والأغنية خطيئة تستحق الإعدام؟