2013/05/29
لبنى شاكر – تشرين
فادي قوشقجي: الواقع في ظل الأزمة شديد التعقيد
نعم ما يحدث إنسانياً يتفوق على أي عمل درامي، لكنه يدفع للتساؤل عن جدوى الكتابة وقيمتها في حدث لا يزال جارياً، ولاسيما أن بعض الأعمال صوّرت، وأخرى ما زالت تدور في فلك الرقابة وتالياً إلى أي درجة يمكن للكاتب أن يلامس الوضع الراهن، ويختزل الواقع في عمل درامي؟.
وإذا كان التوثيق أو التأريخ جزءاً من مهام الدراما، فمن يضمن مصداقية ما يكتب وموضوعيته؟.
الأزمة في الدراما
الكاتب عبد المجيد حيدر رأى أنه «في الأزمات الشبيهة بأزمتنا التي تظهر فيها تداخلات إقليمية وعالمية كثيرة، سيكون هناك خلط كبير في الأوراق، ناهيك بالأثر الاجتماعي الكبير». ومع ذلك الفن أصلاً ليس فعلاً سياسياً، فالسياسة شغل يومي متغير، ويفترض بالفن ثباته، لذا لا يأخذ الفنان أو الأديب موقفاً تاريخياً عادة، إضافة إلى أن الدراما أصلاً لا يمكن أن تستوي إلا إذا كان لها أساس إنسا ني، وكل ما تبقى هو مجرد رتوش، فمثلا ( لو لم يكن هاملت ابن أمير، وكان أي شخص آخر، عانى ما عاناه من الشك)، في الحالتين تستقيم الدراما لأن أساسها إنساني.
ويشرح حيدر «نستطيع تقديم دراما بظروف إنسانية، حتى إن الظروف المحيطة تساعدنا على تنشيط الحدث وتحريكه، لكن يجب أن ننتبه إلى أن هذا ليس موقفاً، الكاتب الآن لا يستطيع أن يسجل موقفاً للتاريخ، سوى موقف عام وإنساني، ومن هنا يمكن له ككاتب أن يتناول هذا الجانب، وأي شيء آخر سياسي هو مهمة السياسيين.
الكاتب فادي قوشقجي يرى أن «الإحاطة بالواقع في عمل درامي هي دوماً جزئية وتتخذ لنفسها زاوية ما تنظر من خلالها إلى الواقع، وفي حالة كالتي نمر بها يصبح الفارق أكبر بين الواقع وأقصى ما يمكن أن يقدمه عمل درامي أو أدبي».
فالواقع في اللحظة السورية الراهنة شديد التعقيد، يقول صاحب مسلسل «ليس سراباً»: وشديد السيولة في الوقت نفسه، وهو متغير بين ساعة وأخرى بشكل دراماتيكي ناهيك بأن كل حادثة تروى بعشرات الطرق.
الهم الإنساني
يبدو أن الحالة الإنسانية شكّلت هاجساً ومنفذاً للكتابة في الوقت نفسه، على اعتبار أنها تكاد تكون وجه الأزمة الأبرز، والسبيل لتفادي المساءلة أو الوقوف عند بقية النقاط.
الكاتب هاني السعدي قال: «في نتائج الأزمة اجتماعيا درجة من الأهمية لا يمكن تجاهلها، ويمكن تقديمها في انتظار أن تنتهي الأزمة، ويمكننا الحديث عن كل هذا لأننا نعيشه ببساطة».
ورأى الكاتب أسامة كوكش أن «الحديث عن الدراما المعاصرة هو حكماً حديث عن الواقع فإذا لم تعكس هذه الدراما واقعها فهي لن تكون عندها جديرة بتسميتها (دراما).. من هذا كله يجب أن يكون الكاتب لسان حال الناس مهما اختلفت صنوفهم وآراؤهم ومواقفهم، أي يجب أن يعزل نفسه ومواقفه إلى حد ما ليفسح المجال لنفسه ليقدم مواقف الآخرين وآراءهم ما دمنا نفترض أن العمل الدرامي يقدم الواقع».
توثيق الحدث درامياً
لكن هل التأريخ أو التوثيق لما يجري إحدى مهام الدراما، وتالياً هل سيختلف المضمون الدرامي بعد انتهاء الأزمة، وتكشف بعض الحقائق ربما؟.
يقول حيدر: إن موقفه في الكتابة فيما يجري لن يتغير لكونه يرتبط بالهم الإنساني أولا وأخيرا، وهو ضد ما يسمى (الدراما التاريخية) ويرفض فكرة بعض كتاب الدراما بإعادة صياغة التاريخ عبر مشروع حضاري، فهذه أيضا ليست وظيفة الدراما، بل وظيفة المؤرخين. مضيفا أن «الدراما حين تؤرخ، فهي تؤرخ لواقعها، بهذا المعنى تكون الدراما تاريخية، وليس بمعنى استعادة أحداث قبل سنوات مضت، وإسقاطها على الحاضر». مشيراً إلى أنه «أمام الدراما السورية مساحة من الحرية وتالياً هي ليست مضطرة للرجوع إلى التاريخ لتقول من خلاله أفكارا معينة، أما الأسئلة الدائمة «كيف صرنا هنا، من الذي أوصلنا إلى هنا»، فهي عقيمة، وتالياً يجب أن يكون التفكير منحصرا في كيفية الاستمرار.
ويجب أن يفهم المشاهد كما يرى حيدر أن ما يقدمه له هو واقع افتراضي، لأنه إذا قدم الحياة كما هي فسيكون عمله وثائقيا أو تسجيليا، لكن ليس دراما، وهذا لن يساعده في توصيل أفكاره. كما أن الدراما تكثيف، مما يعني واقعا افتراضيا مخلوقا، خصيصا لعمل ما، والعمل الناجح هنا هو الذي يستطيع أن يبني صلة وصل بينه وبين المشاهد، ليفهمه هذه الافتراضية ويقنعه بها.
كوكش بدوره قال: «إذا قدمت الدراما المعلومة التاريخية المغلوطة فهذا سوء ائتمان، لأن هذه المعلومة قد يتلقاها المشاهد ويتبناها من دون التدقيق في مصداقيتها، وهذا ليس من واجبه أصلا، لذلك، تقتضي الأمانة التاريخية والمسؤولية تقديم المعلومة الصحيحة مضيفا أنه «عند تقديم العمل الدرامي التاريخي يكون هامش الحركة للكاتب في الحكايات الصغيرة المنسوجة حول الحدث التاريخي الرئيس، بما لا يمس مصداقية المادة الأصلية».
لا مهام للدراما إلا إنتاج الجمال، يؤكد الكاتب قوشقجي ويضيف: «الدراما مهمتها تحريض الفكر والنقاش وطرح الأسئلة. وضمن هذا التحديد لا بأس من أن تكون إحدى حالاتها التأريخ والتوثيق».
تجارب درامية
التجارب الدرامية في تناولها للراهن السوري، محاولات إن صح التعبير للإحاطة بهذا الواقع كل من وجهة نظره، وإن كانت كما سلف تتجه نحو الهم الإنساني، لكنها لا شك تحتوي الكثير، مما يستحق الحديث عنه.
يقول قوشقجي: «إن الموضوع مرتبط بطبيعة الحدث، ومدى استمراريته. لكن على الأغلب، ومادمنا في جميع الأحوال نمسك بزاوية واحدة من زوايا الحدث، فلا شيء يمنع من الكتابة عن هذه الزوايا والجزئيات خلال الحدث مشيراً إلى أنه أراد في عمله أن يضع الإنسان السوري في مركز الحدث والرؤية، محاولا النظر إلى الجانب المضيء في هذا الإنسان.
في حين يرصد كوكش في عمله حال المهجرين الذين هربوا من بيوتهم أو فقدوها تماما، وهم يفترشون الأرصفة والمدارس بلا أدنى أمل أو علم بالمصير الذي ينتظرهم، هؤلاء الناس أحد أهم مكونات الأزمة الحالية لذا يتحدث عن واقعهم الراهن من الجانب الإنساني والاجتماعي، لعلّ ذلك يكون وثيقة صغيرة لتأريخ هذه الحرب، حتى لا يتسرب النسيان إلى ذاكرتنا يوما ما كما يقول.
يطرح الكاتب السعدي في عمله قصة عاطفية، في أحد الأرياف، وقد اختار ريف إدلب مسرحا للأحداث لكونه متاخماً للحدود التركية، ويشير من خلالها إلى عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات إلى سورية، عبر بعض من حرس الحدود أصحاب النفوس الرخيصة، ومع أن هذه حالة حقيقية تحدث في أي بلد، فقد قوبل العمل بالرفض. والمفارقة أن من رفض العمل لم يعبر عن ذلك السبب صراحة، لكن خبرة السعدي، وعلمه بوجهات النظر التي تتحكم بمسيرة الدراما، ما قبل الأزمة يؤكدان له ذلك كما يشرح.
أما عن الجرأة في الكتابة، فهي ليست موقفا سياسيا كما يرى حيدر، بل «هي الجرأة التي تستطيع الحفر في عمق تفكيرنا الاجتماعي» وإذا لم يستطع الكاتب أن يعبر عنها فالأفضل ألا يكتب مدعيا الواقعية.
لكن ما الذي يحتاجه المشاهد من الدراما في هذه الفترة؟. يقول قوشقجي «إنه يحتاج أن تقوم الدراما بكل مهامها، ويحتاج كذلك الجمال والنقاش والأسئلة، وإلى جانبها الضحك والمتعة. فالحياة لا تتوقف في مراحل كالتي نمر بها، ومن قلب الألم يظل ممكناً إنتاج الجمال وتذوقه».