2013/05/29
صهيب عنجريني – السفير
تشكّل الأزياء في الفنون الدرامية مفتاحاً أساسيّاً للولوج إلى عوالم الشخصيات، والانخراط في لعبة التلقي. وفي سبيل ذلك تبذل طواقم عمل متخصصة جهوداً فكرية وجسدية، قد لا ينتبه المشاهد لوجودها. جهود قد يجدها بعض صنّاع الدراما هامشيّة، في حين يتعامل معها آخرون كـ«فنٌّ لا بدّ منه». وبين هذا وذاك، يمكن اعتبار تصميم الأزياء على رأس قائمة المهن المظلومة في قطاع الدراما.
ترى مصممة الأزياء السّورية ظلال جابي أن اختصاص الأزياء هو «الاختصاص الأكثر تعرضاً للانتهاك في قطاع العمل الدرامي». وتقول لـ«السفير»: «الأزياء هي أهم اتصال بصري يقدم الشخصيات. لكن البعض يتعامل مع الاختصاص بطريقة مسطّحة فكرياً، ويختصره بأن الشخصية الفقيرة ترتدي ثياباً رخيصة ومهلهلة، بينما ترتدي الشخصية الغنية ثياباً فاخرة وغالية». برأيها فإنّ المهنة مظلومة ليس في قطاع الدراما وحسب، بل مهمّشة عموماً في البلاد العربيّة. ولعلَّ أبرز المفارقات في هذا السياق تتجلى في أن اختصاص تصميم الأزياء في سوريا مثلاً يتبع نقابيَا لـ«اتحاد الحرفيين» فيما تسجل مصر حالةً متقدّمة عبر إدراج الاختصاص في إطار نقابة الفنّانين. ويتفرَد لبنان عربيّاً بوجود نقابة خاصة لمصممي الأزياء.
تقدم جابي لمحةً عن جوهر عمل مصمم الأزياء في الدراما: «تبنّي الـ«كاراكتر» هو تبنّي هوية، وفي سبيل ذلك يجب على المصمم أن يقوم ببناء الشخصية شكليّاً منطلقاً من بنائها الفكري الذي يقدمه السيناريو، مع دراسة مرجعياتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والجغرافية. بعض المصمّمين يقدّمون أزياء جميلةً فعلاً لكنها لا تقوم بوظيفة دراميّة، وهذا مقتل لعمل المصمم». وتضيف: «العمل الدرامي هو تكثيفٌ للحياة، فنحن على مدار 27 ساعة تلفزيونية مثلاً نخلق شخصيات ونُميتها، وعلى المصمم الناجح أن يستنبط ملابس الشخوص من خلال مسيرة حياتها الافتراضية، حتى ولو كان عمرها الدرامي بضعة مشاهد فحسب».
تعتبر معظم شركات الإنتاج أنّ مهمّة مصمم الأزياء تقتصر على الأعمال التاريخية فقط. تقول المصممة المنهمكة حالياً في العمل على أزياء مسلسل «قيامة البنادق»: «المضحك المبكي أن بعض الشركات تعتبر وجودنا مجرّد مصروف نقدي زائد عن الحاجة، ففي الدراما التاريخية يظنون أنّ أهمّ ميزة يجب أن يتحلى بها المصمم هي اتقانه لفّ العمامات! أما في دراما البيئة الشامية فيعتبرون مسلسل «باب الحارة» المرجعية العُظمى. وتبلغ الكارثة ذروتها في الدراما المعاصرة حيث يظنّ البعض أنّ على الممثل استخدام ملابسه الشخصيّة، رغم أنّ التفاصيل الصغيرة تصنع فرقاً. لكن هل ينتبه المشاهد إلى التفاصيل، أم أنّه يكتفي بملاحظة الشكل العام؟
تجيب المصممة السورية مستحضرة إحدى تجاربها: «العمل الذي لا يعتبر أن المشاهد يتفوق عليه فكريّا ويستخفّ به لا يمكن أن يكون عملاً فنيّاً. بعض المسلسلات المعاصرة تحاول تقديم استعراض بصري وتنهمك في سبيل ذلك في البهرجات والألوان، لكن هذا لا يكفي. في مسلسل «بنات العيلة» على سبيل المثال كنّا محكومين بشرط وضعته الجهة المنتجة، مفاده صناعة فرجة شبيهة بالمسلسلات التركية. وقد حاولتُ جاهدةً ألا أنزلق في فخ البهرجة المجانية. اشتغلنا على ضبط التناغم البصري، وعلى صناعة خطوط نفسية لكلّ شخصية على حدة، وعلى إيجاد تباينات بين الشخصيات النسائية رغم انتماء معظمها إلى بيئة مترفة واحدة. أظنّ أننا نجحنا إلى حد كبير رغم حدوث بعض الاختراقات».
على الملابس أن تؤدي وظيفة درامية... يجب عليها أن تنطق في بعض الأحيان. وكلّما كانت البنية الفكرية للسيناريو أكثر عمقاً كانت مهمة مصمم الأزياء أصعب. تقول جابي: «في الولادة «من الخاصرة 2» كنت أمام تحدّ دقيق، حاولت الاشتغال على مقاربة الشخصيات حياتيّاً والمزاوجة بين الفني الدرامي وبين الواقعي، وإبراز التناقضات بين الشخوص لا من حيث الطبقة الاجتماعية فحسب، من حيث البنية الفكرية أيضاً». للتعامل مع المخرجين شجونه أيضاً: «بعض المخرجين يؤمنون بالتخصص، ويكتفون بمناقشة المصمم في العموميات والخطوط العريضة، وبعد الاتفاق عليها لا يتدخلون إلا عند الضرورة. لكن هناك أيضاً من يعتبر نفسه يفهم أكثر من الجميع وفي كل شيء ويتعامل مع الأمور بمزاجية».
رغم صعوبة التعامل مع الشركات المنتجة، والمخرجين، يبقى التعامل مع الممثلين هو الأصعب بالنسبة للعاملين في قطاع الأزياء. يقول مشرف الملابس بشير العاقل: «عمل مشرف الملابس مكمّل لعمل المصمم والانسجام بينهما عنصر هام لنجاح العمل. أكون عادة على تماس مباشر ويومي مع الممثلين وهو أمر متعب في واقع الحال. المشرف يحرص على تنفيذ الأشياء بحذافيرها لأن أي تغيير يمكن أن يؤدي إلى تغيير خط الشخصية الدرامية. لكنّ الكثير من الممثلين يحاولون عدم الالتزام برؤية مصمم الأزياء وخصوصاً في المسلسلات الاجتماعية المعاصرة. وحين يكون الممثل نجماً تكون كلمته هي الأهم في موقع التصوير، والجميع مشغول بصفاء مزاج النجم. وبالتالي تكون مهمة إقناع النجم بالالتزام برؤية فريق الأزياء من دون تعكير مزاجه هي مهمتنا شبه الدائمة، وشبه المستحيلة». توافق جابي على صعوبة التعامل مع الممثلين، وترى أنّ التعامل مع الممثل يبقى أسهل من التعامل مع الممثلة، فبعض الممثلات «مسكونات بهواجس إطلالتهن العامة، وقناعتهن بأن جمالهن أهم من الدلالات الدرامية».